بالتأكيد مرت علينا قصص من الأدب العربي، تحولت مع الأيام إلى تراث تتناقله الأجيال، نأخذ منها العبر عن الحياة والإنسان، وبالطبع تفسر كما توارث الأغلبية المعاني التي تحملها، ووجدت هنا أن أوظف اثنتين منها حتى أتمكن من إلقاء الضوء على رسالتي لليوم في هذه المقالة.

القصة الأولى بعنوان «الراعي وجرة السمن»، وقد تكون «الأعرابي وجرة العسل»، ولكن الأصل جاء من كتاب «كليلة ودمنة – باب الناسك وابن عرس» لابن المقفع، والذي ترجمه من كتاب للفيلسوف الهندي بيدبا، تقول القصة «زعموا أن ناسكاً كان يجري عليه من بيت رجل تاجر في كل يوم رزق من السمن والعسل، وكان يأكل منه قوته وحاجته، ويرفع الباقي، ويجعله في جرة فيعلقها في وتد في ناحية البيت، حتى امتلأت، فبينما الناسك ذات يوم مستلق على ظهره، والعكازة في يده، والجرة معلقة فوق رأسه، تفكَّر في غلاء السمن والعسل، فقال: سأبيع ما في هذه الجرة بدينار، وأشتري به عشرة أعنز، فيحلبن ويلدن في كل خمسة أشهر بطناً، ولا تلبث إلا قليلاً حتى تصير عنزاً كثيرة إذا ولدت أولادها. ثم حرَّر على هذا النحو بسنين، فوجد ذلك أكثر من أربعمئة عنز. فقال: أنا أشتري بها مئة من البقر، فلا يأتي عليَّ خمس سنين إلا وقد أصبت من الزرع مالاً كثيراً، فأبني بيتاً فاخراً، وأشتري إماءً، وعبيداً، وأتزوج امرأة جميلة ذات حسن، ثم تأتي بغلام فإذا ترعرع أدَّبته، وأحسنت تأديبه، فإن يقبل مني، وإلا ضربته بهذه العكازة، وأشار بيده إلى الجرة فكسرها، وسال ما فيها على وجهه». يقول راو في نهاية القصة «فانسكبت أحلامه الهلامية معه، وبات نادماً حزيناً كأن لم يغن بالأمس»، وآخر يقول «هذا جزاء من يصغي إلى تخيلاته»!

ماذا جرى هنا؟ هل أخطأ حين حلم الراعي، الأعرابي، الناسك؟ هل كانت أحلامه هلامية؟ هل من يصغي لتخيلاته يندم؟ أليست الأهداف التي نضعها هي في الأصل أحلام؟! أهداف نتخيلها لنراها حقيقة واقعا أمامنا نكرس كل قدراتنا وخبراتنا في التوصل إلى تحقيقها، كتب شاعر قصيدة «صحية الجرار» يقول فيها: يا راعي الأغنام جرتك المليئة فوق رأسي! ما لي ألمُّ حطامها، وأرى غدي في سمن أمسي؟ «لم يكن غده سوى الهدف الذي تمناه وربط ضياعه بسمن الأمس! الهدف قد يكون له الأمس لكن يضيع بلا التزام اليوم والغد! الأهداف إن ركزنا عليها فقط ولم نغفل عنها بما ترميه علينا الحياة من أمور ننشغل بها ونحيد عن الطريق الذي رسمناه لأنفسنا تتحقق، كما تتحقق بالإيمان القوي بقدراتنا وليس بما عند الغير، وهنا يأتي دور القصة الثانية من كتاب لحاتم الصكر «قراءات معاصرة في نصوص تراثية»، حيث يقول «تتحدث إحدى الحكايات الشعبية عن ساحر صغير يتحدى كبير سحرة المدينة، فيلتقيان في الموعد المحدد ليتبادلا كؤوس السم، يبدأ الساحر الصغير أولاً، فيعرض ما أعدّ من سم، يتناوله كبير السحرة فيشربه بهدوء، ثم يقدّم لمتحديه الصغير كأساً، ما إن يشربها حتى يسقط ميتاً، حين يسأل المشاهدون كبير السحرة عن وصفة سمّه القاتل، يجيبهم أنه لم يسق متحدّيه إلا ماءً، ماء شرب صافياً لا يقتل، لكن متحديه كان ميتاً منذ أن أمسك الكأس. لقد قتله خوفه، وتوقعه مفعول السم فيما يشرب»، هنا نرى إيمان الساحر الصغير بقدراته لم يكن بذات قوة إيمانه بقدرات الساحر الكبير، وعليه كان فشله مؤكدا قبل أن يبدأ وإن قام أصلا بالتحدي، إن الأفكار السلبية التي تمتلكنا عن أنفسنا لها مفعول السحر على سلوكياتنا فتقودنا إلى الفشل!

نرى الكثير من شبابنا يشتكي من الفشل وعدم تواجد الفرص ومن كل المؤثرات الخارجية التي يأخذها على أساس أنها المسبب الأول في عدم توصله إلى النجاح، ولكن ما هو النجاح وما هو الفشل؟ يقول إيرل نايتنجيل في رسالته «السر الغريب» إن «النجاح هو التحقيق المتدرج لهدف ذي قيمة... الشخص الذي يقول لنفسه «سأصبح كذا أو كذا» ويسعى كل صباح جاهدا لتحقيق ذلك،... سأخبركم من هم الأشخاص الناجحون؛ النجاح هو معلم المدرسة الذي يعلّم فيها لأن هذا هو المكان والعمل الذي يريد القيام به، والنجاح هو المرأة التي هي زوجة وأم لأنها تريد أن تصبح زوجة وأما وتقوم به على أكمل وجه، والنجاح هو رجل يدير محطة وقود لأن ذلك كان حلمه وما كان يريد القيام به، والنجاح هو البائع الذي أراد أن يصبح البائع الأول في منظمته، والنجاح هو أي شخص يفعل عمدا وظيفة محددة سلفا لأن هذا هو ما قرره عمدا، ولكن واحدا فقط من أصل 20 يفعل ذلك»! أليس وصفه للمجتمع الأميركي في زمنه ما يقارب ما لدينا اليوم؟ وحتى وإن وضعنا الأهداف لا نؤمن بها، بل نركز على كل التأثيرات الخارجية (الشماعات التي نعلق عليها فشلنا)، وننسى قدراتنا! يقول وليام جيمس: إن «أكبر اكتشاف لجيلي هو أن البشر يمكن أن يغيروا حياتهم من خلال تغيير مواقفهم من العقل .... نحن بحاجة فقط إلى التصرف كما لو أن الهدف المعني حقيقة، والتعامل معه على هذا الأساس وسوف يصبح حقيقة....إذا أنت فقط أعطيت النتيجة الاهتمام الكافي فمن المؤكد أن ذلك سيقودك إلى تحقيق ذلك، فإذا كنت ترغب في الثراء فستحصل عليه، وإذا كنت ترغب في العلم، فسيتم لك ذلك، وإذا كنت ترغب في أن تكون صالحا فسوف تكون صالحا، فقط يجب عليك التمني مع التركيز وعدم التشتت بالاهتمام بمئة من الأمور الأخرى المتضاربة».

الخلاصة هي أن تحلم، ومن ثم تصوغ الحلم على شكل هدف، وترى هذا الهدف على أنه واقع تتعامل معه بكل حواسك، اجعل منه حقيقة، ومن ثم آمن بنفسك، وتصرف على أن الهدف واقع لا محالة، وستجد أن كل شيء من حولك سينقلب أمامك إلى فرص، خبرات، طرقات توصلك إلى ذلك الهدف، وستتمكن من تحويل كل تحد إلى درجة تتسلقها حتى تصل، يقول نورمان فنسنت «إذا كنت تؤمن بمصطلحات سلبية، فسوف تحصل عل نتائج سلبية، وإذا فكرت بعبارات إيجابية فستحقق نتائج إيجابية»، إذًا أنت مفتاح النجاح، وأنت مفتاح الفشل.