غياب الصورة أو تغييبها وعتامة الرؤية الواقعية وغياب عنصر الحوار أو الكلام بين الطرفين، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى نمو الخيال ونشاطه ووجوده بشكل كبير في حياتنا، فإذا حادثت شخصا يقف أمامك أو حاورته وجها لوجه فلا داعي مطلقا لاستخدام الخيال في استدعاء وجه آخر له، بينما لو تحدثت مع شخص من خلف ستارة أو كان يرتدي لثاما لابد أن تستدعي الخيال لرسم صورة افتراضية لهذا الشخص لتستطيع محاورته فلا يعقل أن تفترض أنك تحادث شبحا أو مجرد صوت، وتعتمد الصورة المتخيَّلة في كونها جميلة أو قبيحة على الشخص المتخيِّّّّّل بكسر الياء فهو قد يرسم صورة يهتم فيها بأدق التفاصيل ويجملها أو يرسم صورة سطحية أقرب للرمزية، ومن هذا المنطلق كان الخيال خصبا ومتدفقا في أذهان الشباب عندنا بل هو من وجهة نظري المحرض الأول على المعاكسات ومضايقة الفتيات في الأماكن العامة، فالمعاكسون تختلف حيثياتهم عندنا عن المعاكسة في أي مكان آخر لا تحتجب فيه المرأة، فهم يعاكسون في الغالب نساء محجبات وقد يكن ممن يغطين وجوههن، وهذا بسبب الاعتماد على الخيال في تصور ما خلف هذا السواد، حيث يستدعي الرجل من مخزون الخيال عنده ما يلزم لرسم صورة فتاة.. وبما أن خيال الشباب في وقتنا الحاضر لا يحمل أنموذجا مغايرا لما يشاهده من صور الممثلاث والمطربات وبطلات الأفلام لذلك فهو يستخدم منها ما يعجبه ويحلو له، ويخلع منه على هذا السواد الذي أمامه والذي يرمز إلى فتاة. لذلك فالشباب عادة لا يفترضون القبح أو الدمامة في أي فتاة محتجبة بل كلهن جميلات وبارعات الجمال من وجهة نظرهم، وقد فطن الشباب من الجنسين لهذا الأمر، فازداد الاهتمام بالصوت لأنه بوابة العبور إلى عالم الخيال الواسع فأولي عناية كبيرة حتى على مستوى الأحاديث التي تدور بينهم فتجاوزوا التقليدية في وصف الصوت بالنعومة أو الخشونة، وأصبح يوصف بكونه معبّرا شفافا عميقا دافئا حنونا، وكلها أوصاف اعتباطية ولكنها ضرورية لاستمرار نمو الخيال . ثم يأتي بعد ذلك من يبرر بشكل غير منطقي لفورة عارمة من المضايقات والمعاكسات في الشوارع والأماكن العامة والأسواق ولفئات عمرية مختلفة.. كلها تبرر بكون المرأة ترتدي عباءة ضيقة أو تستخدم طلاء الأظافر الأحمر أو تكشف عينيها.
نحتاج للأسف الشديد إلى تهذيب الكثير من الأمور في حياتنا ومنها الخيال ،والرجوع به إلى جادة الصواب واستخدام طاقاته فيما يفيد.