دخل السباق الرئاسي الفرنسي مرحلة الأعصاب المشدودة، بعيدا عن استطلاعات الرأي التي خيّبت آمال المتابعين في الانتخابات الأميركية، رغم أنها كانت دقيقة إلى حدّ بعيد في المرحلة الأولى من الانتخابات الفرنسية. ولكن درس انتخاب ترمب من خارج التوقّعات، وكذلك البريكست البريطاني جعلا الكثيرين يميلون إلى عدم الركون للاستطلاعات عند كل استفتاء أو انتخاب. المناظرة الأخيرة بين المرشحين الفرنسيّين ماري لوبن وإيمانويل ماكرون اتسمت بالحدّة وربما بالوقاحة، إن على المستوى الشخصي أو على مستوى الموضوعات، لما أظهرته مرشحة اليمين الفرنسي من كراهية وأحقاد يمكن أن تفجّر فرنسا من الداخل في حال وصولها إلى قصر الإليزيه مساء غد الأحد في 7 مايو 2017.

تميز المرشح الوسطي ماكرون بالتوازن والموضوعية والروية المستقبلية. وأستطيع القول إن ما جاء في مداخلات المرشح الفرنسي، من حيث الدقة والتوجهات يشبه إلى حدّ بعيد ما جاء في مقابلة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي جرت الساعة الثامنة والنصف بتوقيت السعودية عبر قنوات الإخبارية السعودية والـ إم بي سي وقناة المستقبل اللبنانية. وقد تحدث الأمير محمد بن سلمان خلالها عن التحولات الاستراتيجية بكل عمق ووضوح ودقة، مع التمييز بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي، ومع تحديد لمسارات المواجهة مع التدخل الإقليمي وعمق التعاون العربي. ولقد انتهت مقابلة ولي ولي العهد مساء الثلاثاء 2 مايو 2017، وكأنها جاءت لتستبق تطورات ومسارات استراتيجية ومصيرية في اليوم التالي.

بدأ يوم الأربعاء 3 مايو 2017 بالأخبار التي تتحدث عن زيارة للرئيس التركي إردوغان إلى روسيا ولقاء الرئيس الروسي بوتين الذي كان قد تلقى مساء اتصالا من الرئيس ترمب حول الأوضاع في سورية. وجاءت هذه القمة بالتزامن مع اجتماعات أستانة عاصمة كازاخستان بين أطراف النزاع في سورية، بحضور ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة دي مستورا. هذه الاجتماعات عكست التفاهم الأميركي الروسي التركي بغطاء عربي حول أهمية وجود مناطق آمنة أو هادئة في سورية. ويعتبر هذا التطور الأهم بالنسبة للأزمة السورية منذ بداية النزاع، وهذا ما عبّر عنه الموقف الروسي الذي قال إننا سنعمل مع السعودية وأميركا للوصول إلى حل في سورية.

بدأ يوم الأربعاء 3 مايو 2017 أيضا بالحديث عن زيارة الرئيس السيسي إلى الإمارات العربية المتحدة للقاء ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد الذي كان في استقباله. هذه الزيارة بعد الحديث استضافة الإمارات طرفي النزاع الليبي، أي كل من رئيس الحكومة الموقتة السراج وقائد القوات النظامية اللواء حفتر. وبدأ الحديث عن اتفاق بين طرفي النزاع من أجل دخول ليبيا في مرحلة انتقالية، وكذلك الحديث عن تعميق التعاون العربي بين جمهورية مصر العربية ودول الخليج، وذلك بعد الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي إلى المملكة العربية السعودية، ومع الحديث أيضا عن تفاهم سعودي إماراتي يمني حول تشكيل هيئة عليا للقضية اليمنية.

بدأ يوم الأربعاء 3 مايو 2017، الساعة الحادية عشرة بتوقيت الولايات المتحدة، باستقبال الرئيس ترمب للرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض، وذلك بعد استقبال القادة العرب الأمير محمد بن سلمان والرئيس السيسي والملك عبدالله الثاني، ومع تعاظم الحديث عن عملية السلام في المنطقة. وتأتي زيارة عباس إلى أميركا أيضا عشية إعلان حماس عن قبولها بحل الدولتين على حدود 4 يونيو 67، وأيضا عشية إعلان منظمة اليونيسكو عن عدم حق إسرائيل باحتلال القدس الشريف. وانتهى اللقاء في البيت الأبيض بمؤتمر صحفي بين الرئيس ترمب ومحمود عباس، حيث كان الحديث واضحا عن أن تطور ما قد حدث يساعد على العودة إلى عملية السلام برعاية أميركا، وربما خلال زيارة ترمب إلى المنطقة في المرحلة القادمة.

حاولنا اختصار بعض التطورات والاجتماعات التي حدثت خلال 24 ساعة فقط، أي بين الحديث المتلفز لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الثامنة والنصف من مساء الثلاثاء 2 مايو 2017، والذي حدّد مسارات العمل العربي المشترك والأوضاع في اليمن والتحولات الاقتصادية الاجتماعية السعودية، لنبدأ يوم الأربعاء 3 مايو 2017 بقمة روسية تركية والتحول الكبير في الأزمة السورية باتجاه المناطق الآمنة والحديث عن الحل السياسي، مرورا بالأزمة الليبية في الإمارات، وبالتزامن مع القمة المصرية الإماراتية، وصولا إلى القمة الأميركية الفلسطينية والحديث عن حل للقضية الفلسطينية والشروع مجددا في عملية السلام برعاية أميركية، وبذلك يكون هذا اليوم التاريخي قد بدأ بالمقابلة مع الأمير محمد بن سلمان مساء الثلاثاء، وانتهى بالمناظرة الأخيرة للانتخابات الفرنسية بين ماري لوبن وإيمانويل ماكرون مساء الأربعاء.