يشير التاريخ الفرنسي إلى شخصيتين نسائيتين على طرفي نقيض، الأولى تدعى جان دارك ( 1412-1431) التي ترجع شهرتها إلى نجاحها في رفع حصار قوات الاحتلال الإنجليزية عن مدينة «أورليانز» الفرنسية عام 1429؛ ولذلك عرفت باسم «لاپوسل دورليانز» أي عذراء أورليانز. ووقعت أسيرة في أيدي البرغونيين في 23 أيار 1430 في بلدة كومبيين وسلمها قائدهم جان دو لوكسمبورج مقابل مبلغ من المال إلى الإنكليز، الذين اتهموها بأنها ساحرة وحاكموها أمام محكمة دينية بتهمة الهرطقة وعدم الإخلاص للديانة المسيحية، وكانت عقوبة هذه التهمة الحرق حية، ونُفذ فيها الحكم في 30 مايو عام 1431. وفي عام 1450، أُعيدت محاكمتها، وصدر حكم إعادة الاعتبار إليها رسميا في عام 1456، وفي عام 1909 أَصدر البابا قرارا يعدُها «من السعداء» ومنحتها الكنيسة الكاثوليكية عام 1920 مرتبة «القديسة»، وخُصص لها يوم عيد ديني في 30 مايو، يُعرف بيوم القديسة جان دارك من كل عام، كما خُصص لها يوم عيد وطني يُصادف الأحد الثاني من شهر مايو في كل عام.

 أما الشخصية النسائية الثانية فهي ماري أنطوانيت ملكة فرنسا زوج الملك لويس السادس عشر, التي ولدت بفيينا في 2 نوفمبر 1755 وأعدمت في 16 أكتوبر 1793, بعد أن اقتيدت بعربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس، حيث رماها الغوغائيون بالأوساخ وكل ما يقع تحت أيديهم, فقصوا شعرها الطويل ثم وضعوا رأسها في المكان المخصص في المقصلة (الجيلوتين) وهوت السكين الحادة فأطاحت برأسها في السلة الجانبية. واتهمتها الشائعات بأنها قالت خلال حوادث الشغب التي وقعت بسبب شح الخبز عام 1788 «إذا لم يكن لديهم خبز فليأكلوا كعكا».

 وحاليا، تفيد استطلاعات الرأي العام الفرنسي بأن معظم الفرنسيين يعتقدون أن المرأة مؤهلة لشغل منصب رئاسة الجمهورية. ولكن منذ صدور مرسوم اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني بمنح الفرنسيات حق التصويت في الانتخابات وتقلد المناصب العليا في 21 أبريل 1944، وحتى عهد قريب، كان الذكور السياسيون يغازلون زميلاتهم؛ وكان البعض يصف «إيليزابيث جيجو»، النائبة من منطقة «سين سان دونيس» الباريسية، بدمية «باربي»،عندما كانت وزيرة للعدل.

 وظل تقدم النساء متفاوتا بين الهيئات السياسية، لأسباب تعزى في جزء منها إلى المشاكل الهيكلية في الحزبين الرئيسيين، حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» والحزب الاشتراكي، والتي تسمح للرجال بالتشبث بالمناصب السياسية التي فازوا بها للمرة الأولى قبل عقود. وإضافة إلى الحضور الضعيف للنساء في «الجمعية العامة»، فإن 11.6% فقط من أصل 36000 عمدة في فرنسا هن من النساء. كما أن ثلاث نساء فقط يشغلن منصب نائب عمدة باريس من مجموع 20 نائب عمدة. وتعد سيجولين رويال المرأة الوحيدة من بين 26 رئيسا جهويا في فرنسا.

 وكانت أديث كريسون، المرأة الوحيدة التي شغلت منصب رئيس وزراء فرنسا وهو منصب لم تحتفظ به لأكثر من عام واحد (1991-1992)، اضطرت بعده إلى الاستقالة. وبررت الاستقالة في حينه على طريقتها، معتبرة أن التدهور القياسي في شعبيتها جاء نتيجة مؤامرة استهدفتها من قبل «الذكور» المسيطرين على الحياة السياسية في فرنسا.

وكان تعيين الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران لكريسون مفوضة أوروبية، عام 1995، مبنيا على امتلاكها لمعرفة فعلية، لتفاصيل القضايا الأوروبية، إذ تولت قطاع البحث العلمي والتربية والتأهيل، المكون من أكثر من أربعة آلاف شخص عملت على توجيههم.

 وتسببت تهمة «المحسوبية» باستقالة أديث كريسون من المفوضية الأوروبية، وهي التهمة التي كانت سببا في قرار للمفوضية الأوروبية قضى برفع الحصانة عنها، بطلب من القضاء البلجيكي الذي رغب في التحقيق معها حول سوء أدائها لمهام منصبها في المفوضية بين عامي 1995 و1999.

 وعُرفت كريسون بطبعها الاستفزازي وتصريحاتها العلنية الصاخبة، ولم تتردد في أحد تصريحاتها العلنية بتشبيه اليابانيين بـ«النمل»، وبالتساؤل في تصريح آخر عما إذا كان رجال بريطانيا لا يميلون سوى إلى أمثالهم من الرجال.

وفي الحكومة الفرنسية الحالية هناك 7 سيدات. وباتت آن هيدالجو أول امرأة تشغل منصب عمدة باريس. وتم انتخاب 155 امرأة في 2012 بين 577 نائبا تم اختيارهم للدورة الرابعة عشرة للجمعية الوطنية الفرنسية التي ستواصل أعمالها حتى 2017. وهو العدد الذي يعادل نسبة تقل بقليل عن 27%.

 وتخوض رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان الجولة الثانية في معركة انتخابية صعبة للمرة الثانية على التوالي، من أجل الوصول إلى كرسي الرئاسة الفرنسي. وقد انضمت عام 1986 إلى حزب الجبهة الوطنية اليميني الذي أسسه والدها جان ماري لوبان. وانتخبت عام 1998 مستشارة لإقليم نور بادو كاليه، مما مكنها من دخول البرلمان الأوروبي عام 2004. وأصبحت عام 2011 رئيسة لحزب الجبهة الوطنية الفرنسية خلفا لوالدها جان ماري لو بان، الذي أسس حزب الجبهة الوطنية عام 1972. وقام بترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة خمس مرات متتالية منذ عام 1974. بينما خاضت سيجولين رويال الانتخابات الرئاسية لمرتين كمرشحة تمثل الحزب الاشتراكي الفرنسي.

 وقد قالت لوبان إن منافسها «ماكرون هو مرشح العولمة المتوحشة والهشاشة والوحشية الاجتماعية وحرب الجميع ضد الجميع والتخريب الاقتصادي، الذي يطاول خصوصا مجموعاتنا الكبرى، وتجزئة فرنسا من جانب المصالح الاقتصادية الكبرى. والأمن والإرهاب مشكلة رئيسة غائبة تماما عن مشروعك وليس لديك مشروع، وفضلا عن ذلك تُبدي تساهلا مع الأصولية الإسلامية».

 بالمقابل، اتهمها المرشح الوسطي إلى الانتخابات الرئاسية إيمانويل ماكرون بـ «جلب الحرب الأهلية إلى البلاد. وأن مكافحة الإرهابيين لا تعني في أية حال من الأحوال الوقوع في فخ الحرب الأهلية، وهو الفخ الذي ينصبه لنا الإرهابيون».

 وكان ماكرون قد أعرب في اليوم العالمي للمرأة، عن «تمنيه» في تعيين امرأة رئيسة للوزراء في حال انتخابه. لكنه أوضح قائلا: «ثم أنا لن أختار رئيسة وزراء لأنها امرأة، سأختار رئيس وزراء قادرا بشكل أكبر، بقدر الإمكان، مع التمني والرغبة بأن تكون أيضا امرأة». أي أنه يشاطر ميشيل أليوي ماري، وزيرة الدفاع، رأيها ومفاده: «المسألة تتعلق بالكفاءة، وليست بالجنس».

وفي حال نجاح لوبان حيث فشل والدها، وسيجولين رويال، وبالتالي دخولها قصر الإليزيه بوصفها أول امرأة تشغل منصب رئيس الجمهورية في فرنسا، فإنها تستحضر تجربة كريسون في رئاسة الحكومة. لتتأكد مصداقية الحقيقة القائلة إن النساء في عالم السياسة والحكم كالرجال حققن إنجازات وإخفاقات تبعا لخبرتهن وكفاءتهن، وليس وفقا لثنائية الذكورة والأنوثة.