لم يعد أمام أي جهة حكومية أو أهلية بد من توضيح موقفها سريعا أمام أي خبر أو نقد يخصها في وسائل الإعلام، أو تحمل تبعات صمتها. وتبعات الصمت أكثر كلفة من إعلان الحقائق أولا بأول. خذ مثلا: الخطوط السعودية اتبعت خطة الصمت فتكونت عنها صورة سلبية لا تستطيع محوها بسهولة من أذهان الجمهور، بل يستحيل عليها ذلك المحو في المستقبل المنظور. ولو أن السعودية اعتمدت من خلال علاقاتها العامة أسلوب البيان التوضيحي اليومي حول كل مشكلة يواجهها جمهورها، لكسبت أمرين: ثقة الجمهور، وكشف المقصرين في جهازها، لكنها مع الصمت أكدت للمتابعين أن لديها خللا لا يمكن إصلاحه، ولهذا فهي تتستر عليه وتلوذ بالصمت، ومثلها فعلت وتفعل هيئة الطيران المدني، وهيئة الأمر بالمعروف، وهيئة الاستثمار، وهيئة الاتصالات، وغيرها من الجهات، حتى ليبدو للمتابع وكأن هذه الجهات ممنوعة من الحديث، أو منزهة عن الخطأ، أو أنها تنطوي على أسرار تتعلق بالأمن القومي، بينما هي جهات خدمية من واجبها الإيضاح والشفافية، والاعتراف بالخطأ والتقصير، والخطوات التي تتخذها لإصلاح أوضاعها.

نحن الآن في زمن الفضاء والاتصال المفتوح، ولم يعد هناك إمكانية لإخفاء معلومة مهما كانت، وأي محاولة لتجاهل ما يعرفه الناس من معلومات، أو التنكر لها تعد ضربا من المستحيل، فالناس الآن يقرؤون ويسمعون ويتبادلون المعلومات بسرعة هائلة ولم يعد هناك مجال للنفي في ظل غياب الحقيقة الموثقة والتصحيح المستند إلى أدلة موضوعية منطقية.

لعله من المثير – مثلا – أن ترتفع الأصوات يوميا متهمة الخطوط السعودية بإفساد نجاح موسم الحج بما فعلته من تأخير للرحلات وفوضى الحجوزات ثم لا تحرك السعودية ساكنا ولا تنبس ببنت شفة وكأن الأمر لا يعنيها، فهل فعلا هي تتعمد ما ترتكب من أخطاء أم إن الأمر فوق طاقتها، ثم لماذا الصمت؟ أما الأكثر إدهاشا فهو موقف هيئة الاتصالات، إذ أعلنت بعض شركات الاتصالات استعدادها لتخفيض أجور المكالمات إذا وافقت الهيئة التي هي الأخرى تلتزم الصمت المطبق، بينما هذه الهيئة نفسها لم تصمت عندما أعلنت الشركات منح المشتركين التجوال الدولي مجانا حيث خرجت تمنع ذلك بمبررات لم تقنع من تحدث بها فضلا عمن سمعها وكأن الهيئة بصمتها الآن تريد تكريس مفهوم أنها ضد المستهلك دائما.

إن المطلوب من هذه الجهات وغيرها ليس صعبا، فهو مجرد بيان، شريطة أن يكون صادقا مدعوما بالمعلومات. وعندما أقول صادقا مدعوما بالمعلومات فلأن استغفال الناس أو تضليلهم أصبح صعب المنال، كما أن الصمت ثمنه باهظ التكلفة.