الهبة الدائمة تتحول مع الزمن لتصبح وكأنها حق أصيل، رغم أنها هبة. كيف يكون ذلك؟
لنفرض أن رجلا حصل على هدية وجبة غداء في تمام الساعة الـ12 ظهرا، وفي اليوم التالي وفي الساعة نفسها حصل على وجبة أخرى. استمر هذا الرجل يحصل على الوجبات كل يوم في التوقيت نفسه!
الآن، ماذا سيحصل إذا تأخرت الوجبة عن موعدها؟ سيمتعض الرجل ويغضب ويتساءل: أين وجبة الغداء؟
لماذا لم تأت؟
هنا تحولت الهبة مع مرور الوقت -بالنسبة للمستفيد- إلى حق مشروع، بل إنه مستعد للمطالبة بها، متناسيا أنها هبة!، وأن الواهب غير ملزم بتوفير الغداء له يوميا.
هذا ما يحصل تماما في تبرعات الدول الخليجية «لبعض» الدول الإسلامية والعربية، ولعلنا بهذا المثال نفهم سر كثير من الحملات الإعلامية المسيئة لنا كخليجيين، إذا تأخرت الوجبة عن موعدها.
في السياسة، فكرة العطاء الدائم دون مقابل هي فكرة عقيمة وبلا نتائج، وهذا ما جعل بعض الدول تتنمر علينا سياسيا وإعلاميا، خصوصا أن غالبية الأموال تذهب للمسؤولين الفاسدين وليس إلى الشعوب المستحقة.
نحن نملك إرثا تاريخيا قديما يقول: إن معظم من وقف ضدنا هم أكثر من أخذ منا، ومع ذلك ما زالت دول الخليج تنتهج السياسة نفسها!، لدرجة أنها أصبحت في عيونهم وكأنها جمعيات خيرية، وليست دولا.
أثبتت لنا الأزمات أننا بحاجة إلى حليف إستراتيجي قوي وبديل، يعوضنا عن إهدار المليارات على فاسدين لم نجن منهم سوى الابتزاز والتلون. كما أن الاستثمار في الشعوب خير وأبقى من الاستثمار في المستبد على رأس السلطة، فالذي لا يستطيع أن يقدم لشعبه شيئا، لن يستطيع أن يقدم للآخرين أي شيء.