يوما بعد يوم، تصبح الصورة أكثر وضوحا. عهد أوباما وسياساته ولى إلى غير رجعة، واليوم هناك سياسة أميركية جديدة تتعاطى مع ملفات المنطقة والعالم، وما كان يوما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة، أصبح محورا مرتبطا بالقتل والإرهاب والتشريد والتهجير لشعوب المنطقة، ولم يعد من المسموح لإيران وميليشياتها وعصاباتها الطائفية، ما كان أوباما يغض الطرف عنه خلال ولايته.

إن إجرام حزب الله الإرهابي لم يبدأ اليوم، بل منذ تم الإعلان عن إنشائه وقبوله بأن يكون متمما لمشروع ولاية الفقيه، ومنفّذا لأجندة معادية للعرب والمسلمين، تحت غطاء ديني وطائفي وسياسي، ترعاه إيران الخميني، ومن بعده الخامنئي، فكانت خطابات قادة تنظيم حزب الله واضحة لجهة التحريض على المسيحيين في المنطقة، وعلى العرب بشكل عام من جهة ثانية، وإعلان قيادات في الحزب، من أبرزهم الإرهابي حسن نصرالله، أن مشروعهم جزء لا يتجزأ من مشروع ولاية الفقيه برعاية الخميني، ومن بعده الخامنئي، الذي زاد من حجم التحركات الإيرانية ضد العرب ومصالحهم من الكويت إلى المغرب العربي.

خلال السنوات العشر بين 1990 و2000، عملت الدول العربية على دعم لبنان وإعادة إعماره بعد الحرب الأهلية، ودعمت بعض الدول والشعوب العربية هذا الحزب في مقاومته الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن النصر الحقيقي الذي تحقق عام 2000، وتسبب في انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب، كان بفضل جهود الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي جاب العالم من مشرقه إلى مغربه، حاشدا الدعم لإنهاء الاحتلال، بعد تلقيه وعودا من حسن نصرالله بأنه بعد تحرير الجنوب سيتم تسليم السلاح والانخراط تحت قيادة الجيش اللبناني، وترك القضية الفلسطينية لشعبها يحدد مصيرها، ولكن كعادته، كانت وعود حزب الله فارغة، ولا تمت إلى الواقع بأي صلة، فكيف لحزب ينتمي إلى ولاية الفقيه أن يتمتع بالشرف والأخلاق والصدق؟

لم تنته وسائل الغدر والقتل هنا، بل استمر حزب الله في فرض سياساته ومشاريعه في الجنوب بعد تحريره، واستولى على قرار شعبه وسكانه، ومنع الجيش اللبناني والقوى الأمنية من الانتشار فيه، حتى فرض نفوذه وسيطرته عليه تماما، وتم بعدها التخطيط للتخلص من رفيق الحريري الذي يمثل قوة في الداخل اللبناني والخارج، تفوق قوة وسلاح وترسانة تنظيم حزب الله الإرهابي، فتم العمل مع النظام السوري لسنوات لاحقة على التحضير للتخلص من الحريري، وهذا ما حصل في 2005، ولم يتوقف الحزب عند الاغتيال، بل تمادى في تصرفاته حتى وصل إلى مرحلة أخذ فيها قرار السلم والحرب رهينة بين يديه، واعتدى على إسرائيل وتسبب في حرب كانت الأشرس في المنطقة، وتسببت في مقتل وجرح الآلاف، وتدمير البنى التحتية والجسور والطرقات، واستهداف المطار ومحطات إنتاج الكهرباء، كل هذا إضافة إلى نزوح وتهجير عشرات الآلاف من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، باتجاه المناطق الآمنة وسورية، وتدمير الموسم السياحي، وتعطيل المشاريع والصناعات في لبنان.

وفي المقابل، أطلق حزب الله الكرتوني صواريخه على المدن والبلدات الإسرائيلية، ولم تسبب هذه الصواريخ أي دمار يذكر، ولم تؤثر بأي شكل على اقتصاد وسياحة وبنى إسرائيل التحتية، أو تحقق أي إنجاز في السلم والحرب، ليعلن حسن نصرالله بنفسه بعد الحرب، أنه لو كان يعلم حجم الرد الإسرائيلي لما اتخذ قراره بإشعال هذه الحرب!

إن كل هذا الإرهاب الذي يمارسه حزب الله، هو جزء من مخطط أعدته إيران مسبقا، وينفذه الحزب لخدمة مصالح الولي الفقيه هناك، واستمرت مخططات إيران حتى وصلت إلى حدود تخطت الخطوط الحمراء، عبر تحريض بعض الأشخاص داخل بعض الدول العربية على أنظمتهم ودولهم، في محاولة مفضوحة مسبقا لإشعال المنطقة العربية، وإشغال الأجهزة الأمنية واستنزافها في معارك داخلية تصب في مصلحة إيران، التي تسعى بكل قوتها إلى احتلال عواصم عربية لإتمام هلالها الشيعي الطائفي، والحاقد على كل ما هو عربي.

إن العهد الأميركي الحالي بقيادة ترمب، سيسهم في رسم معالم جديدة في المنطقة بشكل سريع، في حصار النفوذ الإيراني وملاحقة المتورطين من الحرس الثوري، ومعاقبتهم على تدخلهم السافر في شؤون الدول العربية من الكويت إلى المغرب، وتحريضهم المستمر على نشر الثورة الخمينية الباطلة في دول الخليج واليمن وسورية ولبنان والعراق، فلن تقبل الإدارة الأميركية أن يتعرض أقوى حلفائها في المنطقة لمضايقات إيران بعد اليوم، وسيكون للجيش الأميركي دور في إنهاء الحوثي في اليمن، إلى جانب المملكة العربية السعودية وحلفائها في التحالف الإسلامي، والتحرك باتجاه إنهاء التنظيمات الإرهابية كـ«داعش» أيضا وحزب الله في سورية والعراق لإعادة الاستقرار إلى المنطقة العربية، لتسهم في إنعاش الاقتصاد العالمي المتعب والمثقل بالأزمات.

اليوم، المتابع للشؤون العربية يرى أن ما خلفته إدارة أوباما من أزمات قد انتهى، وأن العمل مع الجانب الأميركي أصبح أكثر ضرورة لحصار إيران، وإنهاء إرهابها المستشري في المنطقة العربية، والمتسبب في كثير من الأزمات، والانتشار غير المسبوق للتنظيمات الإرهابية في سورية واليمن والعراق، وكل هذا لن يتم إلا بالتحالف القوي بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، المسؤولة بالدرجة الأولى عن كل الدول والقضايا العربية.