ما زالت قصة تلك الأم تؤرق العيون وتُدمي القلوب. فقد ذهب زوجها وثلاثة من أبنائها ضحية حادث سير، وتبقى لها اثنان من الأبناء، أحدهما كان في غيبوبة عميقة بالعناية المركزة، والآخر دخل غرفة العمليات لإيقاف نزيف حاد.. مدت تلك الأم يدها وأمسكت بثياب الطبيب وخاطبته: فقدت زوجا وثلاثة من الأبناء، ورابع قد لا يعيش طويلا، وهذا الذي بين يديك فابذل له ما استطعت لتُبقي لي شيئا أعيش من أجله. بعد أيام فقدت الرابع من أبنائها، وعاش الأخير الذي غادرت معه وهي تحمل جرحا لن يندمل. أما ذلك الأب الذي لم تهب له الأقدار إلا ابنا وحيدا فلما أصبح فتيا بالغا، ذهب ضحية سائق متهور لم يرحم شبابه ولم يتلطف بحال أبيه. أقبل أبوه عليه يقبله ويبكيه ويتساءل ليس لي من ولد غيره فكيف يموت؟ ثم استرجع شيئا من ثباته فحمد الله.
كانت حوادث الطرق وما زالت كابوسا للمجتمع الجازاني فقلما تجد أسرة لم تفقد ابنا أو أخا أو قريبا. وظلت حوادث الطرق تتصدر أسباب الوفاة، لاسيما في عمر الشباب. وتقدر بعض الإحصاءات حدوث ما يقارب حالة وفاة يوميا. وأصبحت مجالس العزاء هي تذكارا لكل من فقد الأحباب في هذه الحوادث المروعة، وأصبح السؤال الطبيعي عند تلقي كل خبر وفاة، هل مات في حادث؟
وقبل شهر تقريبا تم تدشين خدمة ساهر في منطقة جازان وانقسم رأي الشارع كما هي العادة إلى مؤيد ومعارض، وواكب تطبيق النظام حملة مرورية مكثفة لمنع مخالفات عديدة تتعلق بالسلامة المرورية، لاسيما تلك التي تهدف إلى حماية الأطفال وإيقاف استخدام الجوال. كان شهرا مختلفا فلم نعد نرى كل صباح تلك الأجساد الدامية والعيون الباكية، وأصبحت حركة السير عليها سكينة ووقار، وانعكس ذلك على العاملين بأقسام الطوارئ والمستشفيات الذين أبدوا ملاحظاتهم عن انخفاض معدل استقبال الضحايا والإصابات القاتلة. ويؤكد العاملون بأقسام المرور هذا الانخفاض ويعزونه إلى تلك الحملة المكثفة. وسنظل ننتظر لغة الأرقام والإحصاءات من قبل المسؤولين التي تؤكد أن نظام ساهر وأنظمة الأمن والسلامة المرورية كانت الحل الأمثل لإيقاف مسلسل النزيف الدامي في منطقة جازان.