من المسلم به أن لكل مجتمع مشكلاته الخاصة التي يعاني منها ويسعى في معالجتها، إلى أن يقضي عليها. وتتباين درجات تأثير تلك المشاكل وتتذبذب بدرجة عمقها وتأصل جذورها في المجتمع، كما أن تنبه المجتمع إلى وجودها وضرورة معالجتها هو أحد أهم خطوات مقاومتها.

في مجتمعنا تتكاثر أنواع تلك المشاكل التي يتناساها المجتمع أو يغض الطرف عنها، إما مجاملة لأطرافها، أو تأقلماً معها، أو غير ذلك.

أحد تلك المشاكل المُقلقة عبارة عن جماعة تعتقد أن الحضارة والتمدن بغض النظر عن أصوله نقص من شخصيتها، وتحاول جاهدة أن تبقى على الماضي بجماله.. بخيره وشره، أو بالأصح الغياب عن واقعها تحت مسمى «أنا بدوي» بفخر منهم، وهو حق ولكن بطريقة أقرب إلى التعصُّب والجهل، نعم هي أصولنا ونفخر بها جميعاً ولا أحد يستطيع إنكارها، ولكن التمسك بها حرفياً في هذا الوقت والبقاء عليها يعد من الرجعية والتزييف، وتشويه لصورة ماضينا وصفات البدو التي كانت تلائم عصرها، أما الآن في حياة المدنية المتحضرة فقد أصبحت هذه الممارسات والسلوكيات أشبه بالحياة العبثية، وخروجا عن أنظمة الحياة الحاضرة وأعراف البادية التي كانت تحكم وتضبط سلوك أفرادها.

الباحث في مصطلح البداوة يجد أنها تأتي من حياة البدو التي يغلب عليها الترحال والتنقل، والبداوة قديماً كان لها خصائصها وظروف الحياة القاهرة التي أجبرت الناس عليها، ولها في نفس الوقت شيمها وأعرافها وسلومها الصارمة والمنضبطة بين أفرادها، أما الآن في ظل تقدم وتطور الحياة المدنية لم يعد هناك بدو في شبه الجزيرة العربية بالمعنى الذي كانت عليه قبل توحيد البلاد وقيام الدولة السعودية، ومجرد استحضارها هو تخلف و«هياط اجتماعي»، والمقال لا يتحدث عن أجيال قديمة «مخضرمة» عاشت البداوة، كما عاصرت التحضر والمدنية، وهم تقريباً مواليد ثمانينات وسبعينات القرن الماضي الهجري، وقد نتفهم تمسك هذه الأجيال بأساليب الحياة القديمة لاعتبارات عدة أبرزها صعوبة تأقلمهم مع الحضارة والتمدن، واعتيادهم على قديمهم، ولكن المؤلم مع الأسف أن معظمهم مواليد هذا القرن ولا يتجاوزون عقدهم الثالث، ومع هذا يجري الجهل والتخلف والتعصب القبلي في دمائهم مجرى الدم، وهم لم يعيشوا تلك المرحلة بحلوها ومرها.

انتشار هذه النماذج في المملكة يختلف نسبياً من منطقة لأخرى، وهذا قد يكون عائداً للموقع الجغرافي لهذه المنطقة أو تلك وابتعادها عن الموانئ التي تمزج سكانها بجنسيات وحضارات مختلفة منذ قرون، حتى تأصلت الحضارة فيها، أو حتى مناطق أخرى تشتبك حدودياً مع دول ومناطق متحضرة نتج عن احتكاكهم بهم تأثرهم ولو بقليل من تحضرهم.

الأسوأ في الموضوع هو أن الجماعة «المتبدوية» لا تمثل أساليب وصفات البدو المتعارف عليها قديماً، من نقاء وصفاء ومروءة ونخوة نفوس واحترام للقريب والبعيد، ولا حتى شهامة ولا خلق الإسلام في نبذ العنصرية المنتنة والتفاخر بالألقاب ونسيان معيار السواسية وأكرم الناس عند الله، فتقوم بممارسات وسلوكيات هي أقرب للهمجية والرجعية، يتفاخرون بأنهم لا زالوا يمارسون طقوس وعادات بدو الجزيرة العربية قبل مئات السنين ولم تؤثر فيهم الحضارة، بالرغم من أنك تجدهم متلونين بألوان الحضارة وتأبى عقولهم أن تتأقلم مع هذا الشيء، وإذا كان تعريف البدو بأنهم هم من يسكنون الصحراء وفي حل وترحال طوال الوقت ويعيشون الحياة ببدائية فلا يستطيع أحد أن يصنف نفسه بالبدوي وهو يسكن في مكان مستقر ثابت منذ أن فتحت عيونه على الدنيا، ويمتلك هاتفآً من شركة Apple الأميركية، وسيارة آخر موديل، وأثاثه ومسكنه آخر الصيحات الأوروبية كلها على النمط والأساليب الحديثة، ثم بعد ذلك يخجل من لبس «الكاجوال» أو البنطال و«التي شيرت» ويرى أنها عيباً وتنقص من رجولة لابسيها، بحكم أنه «بدوي».

هذه الجماعة معيقة لتقدم وتطور مجتمعنا، ومحاولة توعيتها وتبديل حالها أحد أهم عوامل نجاح رؤية 2030.