يعتبر تقدم المرشح المستقل إيمانويل ماكرون في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية من الأمور الجيدة في عالم اليوم الذي تعصف به الصراعات؛ خاصة أن ماكرون من المؤيدين لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما أنه من المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت لديه الجرأة ليطالب الفرنسيين بالعمل الجاد إذا كانوا فعلاً يرغبون في اقتصاد قوي.
بوتين يواجه الانتكاسة تلو الأخرى، بداية من هزيمة الحزب المؤيد له في بلغاريا، والغضب في الجبل الأسود من جراء مؤامرة الانقلاب الروسية، فيما لو فاز ماكرون في الدورة الثانية من الانتخابات التي ستجرى في 7 مايو المقبل، فإنه سيكون الرئيس القادم للجمهورية الفرنسية الخامسة التي كان يأمل عدد من خصومه في تدميرها، وسوف يحافظ الغرب خلال السنوات الخمس القادمة على جبهة موحدة ضد الهمجية.
حصول ماكرون على 23,7% فقط من أصوات الناخبين في الدورة الأولى للانتخابات، لن يكون مثيراً لإعجاب الأميركيين بسبب حصول زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان على المرتبة الثانية (21,7% من أصوات الناخبين)، وهي مؤيدة لبوتين ومعادية للولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي، بيد أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن 11 مرشحاً كانوا يتنافسون في الجولة الأولى، بينهم خمسة متنافسين أساسيين.
اللافت أن الأحزاب التقليدية قد خرجت، للمرة الأولى منذ عقود، من التنافس على الجولة النهائية للانتخابات الرئاسية، وعلى الأرجح أنها سوف تلتف حول ماكرون لدعمه، ويحقق الأخير انتصاراً ساحقاً على لوبان في الجولة المقبلة، وذلك رغم أنه مصرفي لم يسبق له قيادة الحملات الانتخابية، ولم يمض سوى فترة وجيزة في مجلس الوزراء الفرنسي الحالي، ولايزال يخوض الانتخابات من دون أي دعم حزبي.
تصرفات لوبان الخارجية تعد سيئة، وستقود إلى استمرار الخوف والكراهية تجاه الجيل الثاني من عائلتها؛ فهي الشكل الجديد للحرس القديم، وقد انخدع بعض المحافظين الأميركيين بالاعتقاد أن لوبان هي الأقرب إليهم بسبب مواقفها المتعصبة ضد المهاجرين والإسلام، والواقع أنها ليست المرشحة المفضلة برأي بوتين فحسب، بل إنها أيضاً الأفضل بالنسبة إلى الإرهابيين؛ إذ تتفق معهم في أن المسلمين يجب ألا يندمجوا في المجتمعات الغربية.
لوبان اختارت موسكو بدلاً من مانهاتن؛ حيث تلقت قرضاً بمبلغ 9 مليون يورو لحزبها من بنك مقره في موسكو، وفي المقابل تشيد لوبان علناً باقتصاد بوتين المتعثر باعتباره نموذجاً يحتذى لفرنسا.
إن ذلك الأمر يروع الناخبين الفرنسيين، فعلى عكس المفاهيم الخاطئة الأميركية، يعتبر الأمن والهجرة من القضايا الثانوية في هذه الانتخابات؛ حيث يركز التصويت الفرنسي دوماً على الاقتصاد الذي يعاني من حالة ركود، وحتى المرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلونشون لم يلمح إلى أن بوتين لديه الحلول للبطالة الفرنسية. وعلى الرغم من التحركات الجيدة من لوبان ومؤيديها ضد الاتحاد الأوروبي، فإنه حتى أولئك الذين يحبون خطاب الكراهية لا يرغبون في خسارة إعاناتهم من بروكسل.
نجحت لوبان فعلاً في الحصول على المركز الثاني في الانتخابات، ولكنه شيء مضلل؛ إذ سيتحول الناخبون المشردون سياسياً بأغلبية ساحقة إلى ماكرون لا إلى الجبهة الوطنية؛ لاسيما أن لوبان تواجه موقفاً صعباً في هذا السباق بسبب التعتيم على إنكار والدها لمحرقة الهولوكوست، وتصريحات لوبان بأن فرنسا ليست مسؤولة عن اعتقال حكومة فيشي الفرنسية لليهود الفرنسيين وترحيلهم إلى معسكرات الموت النازية.
الخاسر الحقيقي في هذه الانتخابات هو بوتين الذي كان يتطلع لأن تكون فرنسا جائزته الكبرى، والوسيلة لكسر الناتو والاتحاد الأوروبي، وبخاصة لأن أفضل ما يمكن الحصول عليه في الانتخابات الألمانية هو حكومة أكثر تعاطفاً مع موسكو، ولكنه، مع تقدم ماكرون، لن يحصل على حكومة منفتحة على موسكو ومعادية للولايات المتحدة؛ إذ كانت فرنسا أشبه بنقطة ضعف أوروبا من وجهة نظر بوتين الذي يخسر رهانه الكبير الآن. فهل ستكون هذه الانتخابات نقطة تحول؟
بوتين يواجه الانتكاسات تلو الأخرى، بداية من هزيمة الحزب المؤيد له في بلغاريا، والغضب في الجبل الأسود من جراء مؤامرة الانقلاب الروسية، ولكن الانتكاسة الأكبر هي الضربة العسكرية التي أمر بها ترمب لمعاقبة بشار الأسد الجزار السوري على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، ولم يكن لدى بوتين أي وسيلة لوقف هجوم صواريخ كروز ضد حليفه الأسد أو حتى الرد عليها، كما رفضت القوى الأوروبية الرئيسية رفع العقوبات المفروضة على موسكو بسبب غزو بوتين لأوكرانيا، والأدهى من ذلك أن إدارة ترمب رفضت الأسبوع الماضي السماح لشركة إكسون موبيل النفطية باستئناف عملها في التنقيب عن النفط في روسيا لإنقاذ الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو.
المرشح الأنسب هو ماكرون الذي سيحكم قصر الإليزية، وستبدو أوروبا أقوى من قبل، وسوف ترتفع الأسواق وتستمر العلاقات عبر الأطلسي، وبخاصة لأن بوتين قد وصل الآن إلى المرحلة التي لا يمكنه فيها تخريب ديمقراطيات الغرب.
رالف بيترز
صحيفة نيويورك بوست الأميركية