(1)

في العالم العربي، لا ينبغي للكاتب أن يكون فقط لاعب سيرك يسير على حبلٍ رفيع مشدود دون أن يسقط، بل عليه أن يتخيل نفسه ذلك اللاعب، ويتخيل وجود الحبل، ويتخيل أنه يمشي عليه بجرأة، إن فقد اتزانه فحتما سيسقط ويقع على الحقيقة التي تبدو على هيئة زجاج مهشم بزوايا حادة قد تقتلك، كما قال الشاعر معين بسيسو عن الحقيقة: «إن قلتها مت، وإن لم تقلها تمُت، إذن، قلها ومت!»، لكن الموت ليس خيارا، فقد تجد نفسك معلّقا ببرزخٍ مظلم بين الحياة والموت، فلا تستطع التقدم ولا العودة، ولا حتى إكمال مقال!

(2)

رحلة قصيرة في عمره، طويلة في عمر الحشود التي كان هو قائدهم وملهمهم، بدأها بتحريضهم على ركوب المركب، قرأ عليهم دعاء السفر، وفي لحظة تجلٍ غير بريئة قفز من المركب وقرأ دعاء الخروج من الخلاء، وشتمهم!

(3)

من سوء الحظ كان هو وخصومه الشهود على المرحلة والمؤرخون لها، نُعِت الحشد بالقطيع، تشفّى منه الخصوم، أما هو فابتسم بخبث وبرر ذلك بأن الإنسان السويّ من تتغير أفكاره، ويعترف بخطئه، انتهى الأمر لكن لم يتحدث أحد عن المركب!

(4)

بفعل تدليس الشهود، اعتقد الجيل الذي لم يعاصر تلك الفترة أن كل ما في الأمر قراصنة أتوا خلسة، وفي غفلة من الجميع، سرقوا أحلام الناس وبهجتهم وأغاني أمهاتهم وقصائد مواسمهم، دون أن يشعر بهم أحد! رغم أن القضية لا تستحق كل هذا التشويه / التبسيط الساذج، تستحق أن تروى حسب سياقها الزمني والفكري والجيوسياسي, حتما ستكون أكثر وجاهة!

(5)

لا أدري، أَمِن الطريف أم المحزن في الأمر، أن من رفضوا القفز وتشبثوا بالبقاء في المركب الموشك على الغرق، ما زالوا مُصرّين على البقاء فيه، رغم أن من أقنعهم بذلك قفز إلى المركب العائد للأمان، ومع ذلك يُوجِدون العذر لهربه، ويستمتعون برحلة التيه في مركب تركه الربّان ونجا!

(6)

عندما تعتاد على الوهم لسنوات، فإنك ستصبح كمن تخيّل أنه لاعب السيرك، تظل تستمتع في اللعبة الخيالية، أو تتخيل أنك مستمتع، لو اخترت الصحو «الواقع»، فإنك ستموت «مجازا» وأنت الذي اعتدت على هتاف الجمهور، ونظرات الإعجاب، وستفقد مكاسب ومزايا كثيرة، والأهم أن صنعت مجدا بتغييب الآخرين، فلو أيقظتهم لقتلت مجدك!

(7)

إمضاء أخير:

«أقسموا لي أن هذا الطريق يؤدي إلى الجنة، ثم غادروا عبر الطريق الآخر. هل كانوا ذاهبين إلى الجحيم؟!»