في نقاش مع بعض الزملاء المجايلين، حول تحولات الزمن بين وقتنا الذي كبرنا فيه، وعشنا تفاصيله الدقيقة بانتشاء عجيب وغير عادي، وبين هذا الوقت الذي ضاعت ملامحه، أو أنه بلا ملامح أصلا، كان حديثا فيه كثير من الشجن والحنين والاغتراب الزمني.

أشعر بكثير من الغبطة كلما تذكرت أنني ممن عاصروا جيل الثمانينات الميلادي، إذ كان كل ما له علاقة بالفكر والأدب والسينما والأغنية والمسرح والشعر، في عزّ أُبّهته وتألقه، كان كل شيء ينبض بالحياة.

صحيح أن هذا الجيل الحالي، عاش الثورة التقنية الخارقة للزمان والمكان، وصحيح أنه بضغطة زر يستطيع أن يقرأ كتابا، أو يسمع أغنية، أو يشاهد فيلما أو عملا مسرحيا، إلا أن هذا الجيل -والاستثناءات ربما تكون قليلة- ليس لديه ما كان يتولد داخلنا من الهوس المعرفي، وليس لديه الحماس والشوق كلاهما في التعامل مع الفنون والمعارف والأشياء من حوله.

أشعر بغبطة أنني جئت في زمنٍ كانت فيه سعاد عبدالله برجا رابعا للكويت، وكان طلال مداح يشنف أسماع وأصقاع الأرض، وكان يوسف شاهين يُدخّن الكاميرا، والطيّب صالح يدير ذراع البوصلة شمالا، ومحمود درويش يدك بقصائده الأرض، دكًّا دكّا.

إنني أحاول أن أستعيد بهذه الكتابة البسيطة وقتا كُنا نتعامل فيه مع ذوائقنا وحواسنا بكثير من الاحترام، وبكثير من الانتقائية والتهذيب، وبالكثير الكثير من الجدّية والاهتمام في تعاملنا مع عقولنا، ومعرفة ماذا نقرأ، وماذا نسمع، وما الذي نشاهد، وعمّ نبحث؟.

هي رحلة حزينة، بين جيلين.