عندما سئل روائي نوبل الأشهر، الكولمبي غابريل غارسيا ماركيز عن رسامه المفضل، أجاب باسم وحيد، إنه الإسباني «جويا». فرانشيسكو جويا «1747 – 1828» فنان الجمال والرعب والحرب، كان رسام البلاط الأول، شهدت حياته كثيرا من التقلبات، أبرزها إيمانه بالثورة الفرنسية وقيمها، وتأييده نابليون في غزو بلاده، ثم انقلابه عليه وانضمامه إلى الثوار، بعد أن رأى الفظاعات التي ارتكبها الفرنسيون بأهل بلاده. ومع مكانة جويا العالية هذه، إلا أنه كان هدفا دائما لرجالات الكنيسة وتهمهم، ومحاولاتهم التخلص منه والقضاء عليه، حتى اضطر قبل وفاته بخمس سنوات إلى أن يستأذن الملك، ويغادر إسبانيا إلى بوردو الفرنسية بحجة الاستطباب، ثم بقي هناك حتى وفاته. التقط مواقفه وتقلباته هذه المخرج التشيكي ميلوش فورمان، وأخرج فيلما عظيما عن لوحاته، اسمه «أشباح جويا» 2006، بحيث يبدو فيها جويا راويا وشاهدا على عصره، جويا المطارد من محاكمات رجال الدين، بسبب آرائه ورسوماته. تتحول قصة الفيلم «التي كتبها مع فورمان الكاتب الفرنسي جان كلود كرييه» إلى متابعة جويا لفتاة، من إحدى لوحاته، آنيس «نتالي بورتمان» ابنة أحد التجار، تُتهم على يد أحد المخبرين بالامتناع عن أكل لحم الخنزير، ليعتبر هذا هرطقةً ورِدّة عن دينها. وفورا تواجه المحاكمة، في السجن تتعرض الفتاة لصنوف التعذيب والاستغلال الجنسي. بينما تغدو شخصية القس لورينزو «خافير بارديم»، من لوحة أخرى، هي التي تنقلب على الكنيسة، إثر موقف رهيب، واجهه في بيت والد الفتاة، حيث قبل دعوته بوساطة جويا، ليقوم الوالد وأبناؤه بتعذيب القس، تهتزّ قناعاته من جذورها، ويقرر أن يتخلص من كهنوته ويلتحق بالثائرين، ثم يأتي دخول نابليون إلى إسبانيا وانتصاره. يسجل الفيلم، عبر لوحات جويا أيضا، مرحلة فظيعة أخرى من التنكيل والمذابح التي تعرض لها الإسبان، سواء من الثوار أو من الجلادين. تخرج الفتاة من السجن بعد خمسة عشر عاما، لكن الأهوال التي واجهتها انتهت بها إلى الجنون، تلتقط طفلة من الشارع، تظن أنها ابنتها، وتسير خلف جنازة لورينزو في طريق ضيقة بين البيوت، لينتهي الفيلم بهذا المشهد، على صوت أغنية للأطفال.

جويا، صاحب اللوحات السوداء، والحياة المضطربة، لم يكن يرى إلا أضواء وظلال التاريخ، أما أشباحه، فهي على كما أراد أن يقول فورمان، أشباح لا تنتهي. إنها هنا وهناك دوما، بكل زمان.