في السنوات الثلاثين الماضية وأبكر قليلا مرّ المجتمع السعودي بتغيرات هائلة ثقافية ومادية واجتماعية، وبقدر ما كان توجه المجتمع وقبوله بالتغيير عاليا فإن مواكبة تلك التغييرات لم تكن بنفس السرعة، بل إن قبول المجتمع ببعض تغيراته بذاته لم تتقبل بسهولة!! فالمجتمع الذي كان قوامه العمل اليدوي والحرفي لسد رمق الأسرة بمكوناتها كاملة أصبح في مرحلة لاحقة يرفض أن يعمل أبناؤه في مهن معينة، وبدأ قبولها على مضض في السنوات القليلة الماضية.

تطورت الحالة المادية للأسرة السعودية بشكل غير متناغم مع الأنظمة التي تعنى بالعمالة والقوانين التي تحكم تلك العلاقة والنظرة الاجتماعية لتلك الفئة حقوقها وإدارتها وما لها أو عليها.

قديما كان الرجل هو من يعوّل عليه في كسب الموارد التي يمون بها المنزل بكل من فيه وما فيه، ولكن انتشار التعليم وتسارع خروج الأولاد والبنات للمدارس وتبعات ذلك أدى إلى اختلال وظائف المنزل، ثم كانت الضربة القاضية حين خرجت ربة المنزل بداية لإكمال الدراسة ثم لتسنم مهام الوظيفة التي ستدر على الأسرة دخلا ماديا إضافيا مجزيا، كان الحل المطروح حلا وافدا من بعض الدول الخليجية المجاورة، وهو الاستعانة بالعمالة المنزلية (الخادمة) لمعالجة الخلل الوظيفي لوظائف بعض أفراد الأسرة.

بداية كانت تكاليف العمالة المنزلية غاية في البساطة مقارنة بكمية المنافع الكبيرة التي يتم الحصول عليها مع وضع الحقوق جانبا فليست محل نقاش، أوقات عمل مفتوحة وعمل لا نهائي ووظائف شتى من الطبخ والتنظيف ورعاية الصغار إلى العناية بحيوانات المنزل إن كانت الأسرة بدوية أو قروية، لم تكن مكونات المنزل مؤهلة لاستضافة هذا العنصر الغريب على الأسرة، بعد عقود فاقت الأسر على صدمات مادية واجتماعية وحقوقية، فالتكاليف أصبحت باهظة، ودعاة الحقوق أصبحوا يحذرون صباح مساء من هدر حقوق العمالة، خاصة أحقيتهم للعمل في أوقات عمل محددة وإجازة أسبوعية، وهذا ما أقض مضاجع أصحاب التفكير التقليدي القديم، فكيف تكون تحت سقف بيتهم ولا تعمل؟ وكيف لها أن تتمتع بإجازة يوم ومن حقها الخروج من المنزل لقضاء ذلك اليوم في المكان الذي ترغبه.

تغيرات كبرى وسريعة مر بها المجتمع السعودي صعب على الكثير استيعاب تلك التغيرات، بل الصدمات، فتحول الأسرة من نمط الأسرة المتكاملة الوظائف، حيث كان الأب له الأعمال الشاقة الخارجية والمرأة الأعمال الشاقة داخل المنزل وفي حدوده، بينما كان الأبناء والبنات يساعدون الأب أو الأم أو يعملون بشكل مستقل في رعي المواشي وسقي الزروع والعناية بالأشجار المثمرة التي ستجني ثمارها الأسرة، هنا كان العدد الكبير يخدم وظائف الأسرة.

عندما توجه الأبناء والبنات للتعليم انخفضت وظائفهم لدعم الأسرة، بل انعدمت أحيانا، بل إن نمط معيشة الأسرة قد تغير كليا، فالزراعة والرعي لم يعودا يعطيان عائدا بقدر الوظائف الحكومية المغرية، غفل الأب والأم هنا عن التنبه إلى أن هذا النمط من العيش يتطلب خفض مستوى الإنجاب حتى يحظوا بخدمات سهلة، الخدمات الحكومية لم تواكب هذا الاحتياج المتنامي والتي من شأنها رعاية الأطفال أثناء غياب الوالدين لارتباطهم بالعمل الحكومي الطويل، فترك جيل بأكمله تحت رحمة ورعاية العمالة المنزلية.

استيقظ المجتمع متأخرا على مشاكل كبرى لتلك العمالة كتعذيب الأطفال وحتى قتلهم، فضلا عن المشاكل الأخلاقية والمادية نتيجة ارتفاع التكاليف وهروب الخادمات والسائقين، ونشوء سوق سوداء موازية لتقديم نفس الخدمة.

عملت وزارة العمل متأخرة على تنظيم سوق العمل ومن ضمنها خدمة العمالة المنزلية بتوفير العمالة لأوقات محددة وبعقود منظمة تضمن حقوق الطرفين، وإن كانت التكاليف ما زالت مرتفعة فإن فكرة توفير الخدمة دون الالتزام بتوفير مأوى أو إعاشة للعاملة كان الحل المثالي ولكل احتياجاته والتزاماته.

بقي الجانب الآخر من المشكلة فالأطفال الصغار دون سن المدرسة بحاجة إلى إعمال الفكر لتوفير الحلول الملائمة لرعايتهم بالموازنة مع أعمال الأمهات والآباء ووسائل النقل والتكاليف المادية.