اطلبوا العلم ولو كان في الصين، وتعلموا لغة الماندرين على عجل؛ فقد بدأت بريطانيا بالخطوة الصحيحة، فاستنفرت نفسها لتتتلمذ على يد الصين وتعلم لغتها وفهم ثقافتها، بتجهيز ألف أستاذ لتعلم لغة الماندرين اللغة الصينية، كما صرح البريطاني كاميرون في خريف 2010م، تلك التي ينطقها أكبر عدد من البشر على وجه الأرض؛ مليار ونصف من الأنام.

والمهم ليس في رقم البشر، بل ماذا يعملون، وماذا ينتجون، وهل طعامهم مستورد، وملابسهم يخيطها قوم آخرون، كما هو الحال في انتشار المولات الاستهلاكية في دول الخليج، بدون تأسيس الصناعات، بل صناعة الصناعات الثقيلة، قبل أن يتبخر البترول ونقول يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل، فالتاريخ صدف ولا تأتي الصدف كل يوم، والصدفة الجيولوجية عندنا يمكن أن تقفز بنا إلى المستقبل، ويمكن أن نرزح في التخلف فلا نخرج في قرن وقرنين. وحسب مالك بن نبي فإن التخلف أمر عقلي بحت ولا يزول ولو أمطرت السماء ذهبا وفضة.

لقد أرسلت لي جريدة عكاظ مجموعة من عشرين سؤالا منها سؤال عن مصير تعريب الطب، وكان جوابي أن اللغة العربية تدخل معركة خاسرة، وأن على أولادنا تعلم لغة الماندرين (Mandarin) فهي لغة المستقبل، لأن الصين تلتهم العالم اليوم، مثل سندويش فلافل، وتبلع أفريقيا مثل تمساح يقضم غزالا غافلا.

ويزداد نموها طردا، وتملك أكبر احتياطي من الدولار بما لا تملكه أمريكا نفسها، برقم يزيد عن ألف مليار دولار، فإذا نفضت يدها من الدولار انبطحت أمريكا على بطنها وركب بوش بسكليت ولن يحج أوباما إلى إسرائيل ويضع قبعة بني صهيون على جمجمته.

وتحاول الصين جهدها أن تحافظ على سعر اليوان (عملتها النقدية) في الواطي حفاظا على استمرار التصدير، وحاليا تنتج الصين كل شيء، وحين اشتريت لنفسي حذاء رياضيا في كندا وصندل وحزام ظننت أنها إنتاج كندي لأكتشف في داخلها صنع في الصين، فهي تنتج وتسوق وتشتري كندا وأمريكا، وأمريكا لا تنتج بل تستورد وتعتمد على اليد الصينية الدؤوبة الرخيصة، ولسوف تنكمش من قوة عالمية إلى قوة إقليمية... سنة الله في خلقه، وهذا سيحمل عواقب وخيمة لديناصورات القوة، خاصة أمريكا التي تغرق يوميا بجبل من الديون مقداره 3,2 مليارات دولار مع كل شروق شمس، ويحلق الدين العام إلى 15 ألف مليار دولار مع خريف عام 2010م، مما يحمل أمريكا إلى المستقبل المجهول،

ولينظر أحدنا إلى نفسه فلسوف يبصر أن قبعته وقميصه والدشداشة، وحذاءه ومطرقته والكمبيوتر، وقطع الغيار والغيارات الداخلية، كلها منقوش عليها صنع في الصين.

لقد كانت الصناعات الصينية قبل 25 عاما رخيصة من نوعية رديئة، أما اليوم فقد تغيرت الحال بعد انفتاح الصين، وتخليها عن عبادة عجل ماو تسي تونج، ولسوف تتغير أيضا سياسيا، فقد منحت جائزة نوبل للمنشق الصيني القاعد في الحبس. وتعنون مجلة در شبيجل الألمانية العدد 34\ 2010م بعنوان "المتنافسون" (Die Rivalen) فوق علمين يرفرفان يحاول كل أن يغطي صاحبه الألماني بالألوان الثلاثة الأسود والأصفر والأحمر، والصيني بنجومه الزاهية الكثيرة فوق رقعة كبيرة حمراء.

والعنوان الفرعي يقول: الصين في مواجهة ألمانيا الصراع حول أسواق العالم،

وبذلك فقد ودعت الصين الشيوعية عمليا، وأصبحت أقرب إلى نظام نصف رأسمالي، والعبرة ليست هنا بل في الفعالية والعبقرية والعثور على طرق للنهضة واليقظة.

لقد قال نابليون يوما إذا استيقظت الصين ارتج العالم، ولقد ارتج رجا فكان هباء منبثا.

ووقع تحت يدي كتاب قيم جدا كتبه السفير الألماني الذي عاصر التحول وقرأ التاريخ الصيني جيدا، وهو يرى أن الصين غابت عن العالم بسبب الانغلاق الشيوعي، وهي في انفتاحها لسوف تستولي على العالم وهو الذي يحدث تدريجيا.

إن الصين صدرت طريقة العلاج بوخز الإبر، وتعاليم صن لاوتسي عن قواعد الحرب، ودحرت أمريكا عسكريا في كوريا، فخلقت الحاجز مثل سد يأجوج ومأجوج بين الكوريتين.

كما أنها عريقة في الفلسفة والحكمة من بوذية وكونفوشوسية وطاوية، وهي بانية أعظم سور في العالم بما يلف حول الكرة الأرضية مرتين ونصف المرة، وهو الشيء الوحيد الذي يراه رواد الفضاء من قمرتهم وهم يتأملون خيط الصين يرسم الأرض.

وفي الصين أعظم الصناعات العريقة من السجاد الفخم الوثير، والطعام الصيني الصحي لا يعلى عليه، وفي المغرب يسمون اليوسفي بالماندرين أو الشن، لأن البرتغاليين نقلوه من هناك ولذا سمي أيضا البرتقال من البرتغال التي أتت به، شاهدا على ولادة الأسماء من خلفيات سياسية.

تعلموا لغة الماندرين قبل أن يطرق العرق الأصفر الأبواب.