مساء ليلة السبت الفائت كان خبر عودة البدلات المفاجئ مبهجاً لقلوب المواطنين العاملين في القطاع الحكومي من مدنيين وعسكريين، لا سيما وقد جاء قبل شهر رمضان والأعياد والإجازات، وهي مناسبات ترتفع فيها نسبة الصرف لدى الأسر السعودية. وكان هذا الموسم – قبل قرار عودة البدلات –هو الموسم الأول الذي ستواجهه هذه الأسر برواتبها الجديدة وسط قلق ومخاوف. لاسيما وأنه بعد الإجازة هناك هم آخر وهو الأقساط المدرسية التي ما فتئت تواصل الصعود دون مبرر منطقي. لذلك كما أسلفت، عمت الفرحة البيوت، وارتفعت الأكف بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين على المفاجأة الجميلة التي جاءت في التوقيت المناسب. إذ تنفس الكثيرون الصعداء، خاصة من لديهم ديون والمتعثرون في السداد بسبب انخفاض دخلهم عما كان عليه وقت أخذهم القروض البنكية الشخصية والعقارية. لكنهم بعد ذلك بقليل، بدأ البعض يتوجس من أن تُسرق هذه الفرحة بارتفاع أسعار السلع والخدمات.

 فعلى بالرغم من أن الأسعار بشكل عام لم تشهد انخفاضاً كبيراً خلال الأشهر السبعة الماضية، ولم تتأثر بشكل دراماتيكي بانخفاض دخل السواد الأعظم من الطبقة المتوسطة، كما ذكرت في مقال سابق قبل بضعة أسابيع، إلا أنها على الأقل توقفت عن التصاعد المجنون. بل شاهدنا بعض القطاعات الصحية مثل عيادات التجميل والأسنان والأنديةالرياضية تقوم بعمل تخفيضات وعروض موسمية للحفاظ على زبائنها ومحاولة كسب زبائن جدد. أيضاً قاعات الأفراح ولوازمها شهدت بعض الانخفاض. فكما أخبرتني زميلة تعمل مع زوجها في مؤسستهما الخاصة بأنه إذا كنت كموظفة حكومية قد تضررت بشكل مباشر من حزمة الإصلاحات الاقتصادية عن طريق فقدان 40% من راتبي، فإنهم قد تأثروا بشكل غير مباشر، بسبب انخفاض الطلب على منتجاتهم وخدماتهم. فالناس في وقت الشدة أعادت ترتيب أولوياتها، وأجلت الكثير من المشاريع غير العاجلة أو غير الضرورية.

الخوف الآن من أن تعود ريما لعادتها القديمة، كما يقول المثل الشعبي الشهير، بمجرد أن يسمع التجار والمستثمرون ورجال الأعمال بتوفر سيولة إضافية لدى الأفراد، لاسيما في فترات المواسم، بات الخوف أن نشهد ارتفاعاً سريعاً في الأسعار يأكل الراتب الذي استعاد للتو عافيته. فنتمنى أن تراقب وزارة التجارة الوضع عن كثب وتحمي المستهلك من الزيادات المتوقعة. وقطاع التعليم الأهلي تحديداً معروفٌ بالجشع ورفعه الأسعار بشكل تزايدي كل عام فيما يشبه الابتزاز أحياناً بالنسبة للأهالي. فنأمل من وزارة التعليم كذلك أن تكون متيقظة ولا تسمح لهم بأي زيادة قبل بداية العام الدراسي الجديد (1438-1439).

مصدر القلق الثاني لدى الناس هو الارتفاع في أسعار الخدمات الأساسية، لاسيما وتباشير صيفنا اللاهب قد بدت سلفاً، ففصل الربيع قد انتهى والحرارة في ارتفاع. ومن المفروغ منه أن استهلاك الماء والكهرباء والغاز والبنزين سيرتفع بشكل كبير، رغم كل الدعوات للإرشاد، فالأسر السعودية -ما شاء الله- كثيرة العدد. كما أن موسمي الإجازات والأعياد يعنيان استهلاكاً أكبر للوقود للسفر داخل أو خارج المملكة. فالسؤال الذي يدور في خلد أرباب الأسر حالياً: هو هل ستختفي هذه البدلات سريعاً لسد هذه الاحتياجات الضرورية؟

أوقات الشدة تفيد الإنسان وتمنحه الكثير من العبر والدروس أكثر بكثير مما تفعله أيام الرخاء، ولا شك أنه كان على الكثير من الأسر أن تتعايش مع الأوضاع الجديدة خلال الأشهر الماضية، فغيرت من سلوكياتها ورتبت أولوياتها، وهو بلا شك ليس أمراً سهلاً كما قد يبدو للوهلة الأولى، لا سيما مع كثرة الالتزامات المادية للأسرة، فقيامها بذلك بشكل ناجح لهو مدعاة للإعجاب والفخر بلا شك. وقد تعالت الأصوات من قبل الاقتصاديين والمحللين بمجرد صدور الأخبار السعيدة مطالبة الناس بعدم العودة لنمطهم الاستهلاكي السابق، وبمواصلة العيش بدون البدلات، فهذه الأخيرة ينبغي أن توجه للادخار أو الاستثمار. وهو رأي فيه الكثير من الحكمة والمنطقية، فقد تعلمنا الآن –بالتجربة- أن دخلك المادي قد يتأثر بشكل كبير بين ليلة وضحاها وبالتالي يجب أن تكون مستعداً. ناهيك عن كون الإسراف رذيلة حذر منها رب العزة والجلال في كتابه العزيز.

لكن سؤال المليون هنا: هل سيبقى من هذه البدلات «العائدة» شيء؟ أم أنها ستكتفي بمصافحة المواطن في آخر كل شهر قبل أن تختفي سريعاً بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية؟ فيردد موظفو وموظفات القطاع العام بعدها المقولة الشعبية الشهيرة: يا فرحة ما تمت!