هناك حملة شعواء يدبر مكيدتها بعض من لا يملك من الفقه بالدين كثيرا، حتى وصل الأمر بهم إلى عدم الاعتراف بالمذاهب الأربعة المشهورة، وقولهم إن على الناس في كل بلد أن يتمذهبوا بمذهب فقهي واحد، ويقولون إن بلادنا حنبلية المذهب، وغير ذلك مرفوض فقها..
بداية لا أعلم على أي أساس تم تحديد هذا الربط، ولما عدت للنظام الأساسي للحكم، وجدت المادة الأولى من المبادئ العامة تنص على التالي: «المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض»، ولم أجد ما ينص على مذهب، لا من ناحية الفقه، ولا من ناحية العقيدة، أو الفكر؛ بل إن ما أعلنه مؤسس هذه البلاد، جلالة الوالد الملك عبدالعزيز آل سعود، في 7/2/1346 غير ذلك كله، قال رحمه الله: «النظر في شؤون المحكمة الشرعية وترتيبها على الوجه المطابق للشرع، على شرط أن يكون من وراء ذلك إنجاز الأمور، ومحافظة حقوق الناس، على مقتضى الوجه الشرعي، أما المذهب الذي تقضي به، فليس مقيداً بمذهب مخصوص، بل تقضي على حسب ما يظهر لها من أي المذاهب كان، ولا فرق بين مذهب وآخر..»..
للعلم.. لا يضر أبدا أن تكون بلادنا حنبلية، بل أقول إن هذا طيب، ولا سيما أن الشريعة جاءت بالحث على وحدة الكلمة، ومنع إحداث الفتنة، وفي نفس الوقت، هناك أمر مطلوب مهم آخر، وهو أن على من يريد الخوض في هذا النقاش، أو من يريد أن يفرق بين الناس، بدعوى حصر المذاهب، أو منع الناس من التمذهب؛ أن يكون عامل وحدة لا فرقة، وعليه أن يعي أنه لا مانع من أن يعمل أي أحد برأي مذهب آخر في مسائل الاجتهاد؛ لو اقتنع به، وأن له أن يعمل بذلك في خاصة نفسه قدر الإمكان، مع عدم إشاعته بين العامة، أو دعوتهم إليه؛ حفاظا على اجتماع الصف، ومنعا للتشويش..
بلادنا المباركة، وكما يعرف المتابعون للواقع، متعددة الثقافات، والمذاهب، والأعراق، والمناخات، والأقاليم، واللهجات، والجغرافيا، والتاريخ، ومن يصر على قول إننا نسيج عرقي واحد، ونسيج مذهبي واحد مخطئ، وإصراره هذا يرسم صورا مغرقة في الخطأ عنا أجمعين، ومنها ما يشيعه المغرضون عنا، من انعدام التسامح الديني، وعدم الاعتراف بالتعددية المذهبية، وأن هناك اضطهادا ضد المذاهب الفقهية، ونحو هذا الكلام المغلوط، الذي نسمعه كثيرا، وخارج مملكتنا بالذات.