ربما كان يجب أن يجمعهما الإعلام الباكستاني من قبل، فلقاء مثل هذا كفيل بإيضاح حقيقة الصراع بين العلم والإرهاب، بين الحياة والموت. بعد أن ظل الإرهابيون يصورونه على أنه صراع بين الكفر والقرآن، إمام المسجد الأحمر في باكستان، والمدان بالإرهاب عبدالعزيز غازي، المسجد الذي تتبعه آلاف المدارس في باكستان، والتي كل إرهابيي باكستان المفخخين خرجوا منها، والدكتور بيرفيز هوودباهي أستاذ النووي والفائز بالعديد من الجوائز العالمية، وأول من انتبه للشرك الذي تكونه هذه المدارس، والتي انتقلت من خمسة آلاف مدرسة إلى 60 ألف مدرسة، يتبعها ملايين الأطفال من أبناء الفقراء لا يتعلمون أي مهارة غير مهارة حفظ القرآن والسنة واللغة العربية.

يوضح الدكتور للناس خوفه من هذه المدارس؛ أن باكستان تفقد كل سنة ملايين الطلاب أو مشاريع رجال ونساء ينهضون بالحياة والاقتصاد في بلادهم، مؤكدا أنه ليس عدوا للقرآن، لكن الحياة لا تسير فقط في حفظ القرآن، وهو صادق في ذلك؛ فالإسلام الذي يطلب منك أن تزرع الفسيلة، حتى لو كنت ستموت بعدها بثوانٍ، لا شك يهتم بأن تعرف كيف تزرعها، والإسلام الذي يطالبك بعبادة الله يريدك أن تعمرها وليس أن تفجرها.

لا يتوقف الدكتور عند ذلك، لكنه يكتشف أن هذه المدارس، حتى تعلم حرف الباء فإنها تضع صورة بندقية، ويفتح كتاب القراءة مخاطبا العقلاء، وهو يريهم عشرات الصور التي تمتلئ بالدماء ويتلقاها يوميا أطفال الفقراء، فلا يعرفون من الحياة غير فقرهم والغضب وكره العالم.

يسأل المذيع مراهقا عن معنى ما قرأه في القرآن، فيرد لا أعرف، وتعود الشاشة للدكتور، وهو يرفع يديه نحو الشيخ «أتوسل إليك علّم هؤلاء الأطفال الحب، ولا تعلمهم الكراهية، أتوسل إليك علمهم الحياة لا الموت؛ هذا لأجل بلادنا»، لكن عزيز لا يرد على هذا التوسل، بل يبادر إلى نفي ما يظنه الناس ويدور في دماغه هو؛ فيقول أقسم بالله لا أفتح هذه المدارس لأجل شيء شخصي أنا أفتحها لله عز وجل.

الغريب أنه عندما حاصر الجيش الباكستاني المسجد، بعد أن ظهرت علاقته بالإرهابيين والتفجيرات، ومات الكثير من طلابه في الداخل، نساء ورجالا دفاعا عنه؛ خرج عزيز من الباب الخلفي مرتديا عباءة ومغطيا وجهه بنقاب فتاة وصورته الشاشات وهو يرتديها؛ لقد أظهر للناس أن الفرقة الموسيقية في سفينة تايتانيك، التي قررت العزف حتى الموت عندما غرقت السفينة لديها مبادئ أكثر منه.

بعد قضاء محكوميته خرج من السجن ليعاود نشاطه، وعاد الدكتور ليحذر الناس منه، لكن الكثير من الفقراء استمروا يرسلون أطفالهم إليه، لأنه يقدم وجبة طعام واحدة وملابس ومأوى، لا تستطيع الأسر تقديمها، لينغمس المجتمع الباكستاني أكثر في الفقر بجيوش من الشباب لا يجيدون أي مهارة ولا يستطيعون بناء اقتصاد، وفوق كل هذا يفجر بعضهم المدارس والمساجد وينشر الموت.

في الفيلم الوثائقي المعنون بـ Among the believers يكتشف المحقق أن الأموال تأتي من التبرعات مثل كفالة حافظ للقرآن، ما يستوقف أي صاحب عقل؛ لماذا لا تتم كفالة عالم نووي أو صانع سيارات أو مهندس معماري، يتضمن تعليمه حفظ القرآن والسنة واللغة العربية، متى يعي هؤلاء الوعاظ علاقة الإسلام الخالدة مع الحياة لا الموت؟ بل متى يحبون أوطانهم مثل أنفسهم؟.