أحد أبرز عوامل نجاح الرأسمالية هو دفع عجلة التقدم، ويبدو أن هذا العامل سيكون أيضا أحد أبرز عوامل سقوطها. تستثمر الشركات الكبيرة والبنوك ملايين الدولارات سنويا في التكنولوجيا مقابل هدفين، وهما: تقليص التكاليف، وزيادة الأرباح. ولذلك أصبحت التقنية هي المنافس الحقيقي للبشر في وظائفهم. مثلا جهاز كاشير الخدمة الذاتية في السوبر ماركت يغني عن موظف له راتب وتأمين صحي وعلاوات، هذا الجهاز يعمل 24 ساعة بلا عطلات وبلا أخطاء.

عمم هذا المثال على كثير من الخدمات، كاستخراج بطاقة صعود الطائرة من أجهزة ذكية، وكاستخدام تطبيق البنك في الهاتف، عوضا عن لقاء الموظف، أو حتى أجهزة الحلابات التي في مزارع الألبان، ناهيك عن الأتمتة التي طغت على كل مصانع العالم. إذن ماذا سيحدث؟ ستستمر الشركات في سياسة إحلال التقنية مقابل البشر، وسنشاهد في المستقبل القريب محلات ومطارات ومصانع بدون أي تدخل آدمي.

هذا سيقود لارتفاع نسب البطالة في العالم بشكل مخيف. وبالتالي يصبح الناس الذين هم مصدر دخل هذه الشركات الكبيرة بلا وظائف، وبلا دخل، ولسان حالهم يقول: «لم نعد نملك شيئا لنشتري! دعوا هذه الأجهزة والتطبيقات التي جعلتوها بديلا لنا تشتري منكم». سيزيد تهميش الأغلبية الفقيرة وستتصارع الأقلية الغنية. ولذلك لا أبالغ لو قلت إن الرأسمالية في الوقت الحالي هي العدو الأخطر على البشر. فهي من يشعل الحروب ويكسب من بيع الأسلحة وتقسيم الأوطان واستعباد الناس، وهي من غيّر المناخ ولوث الهواء وقطّع الأشجار وأهلك شركاءنا في الأرض الحيوانات. كانت الرأسمالية تدير السياسيين كدمى، ولكن وصل بنا الحال أن أصبحوا هم الساسة وهم صنّاع القرار! اسأل نفسك كيف وصل ترمب للرئاسة؟ بالمال وحده تستطيع أن تفوز بأي شيء حتى مقعد الرئاسة لأعظم دولة بالعالم. وبسبب المال سنعيد النظر بكل المبادئ التي نؤمن بها وأولها الديموقراطية.