مؤخَّرا رصد مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية مشهدًا بثَّته إحدى القنوات التلفزيونية الإيرانية، جرى تسجيله على الخطّ الحدودي الفاصل بين العراق وإيران. في هذا المشهد ظهر المذيع الإيراني إلى جانب عدد من عناصر القوات المسلحة الإيرانية ليقف أمام الكاميرا ويعبر عن المشهد المؤلم. يقول المذيع ما ترجمته: «هنا الخط الحدودي، الخط الفاصل بين دولتين، الجمهورية الإسلامية في إيران، والعراق، إحداهما تعيش في أمن كامل وشامل، وأخرى تعيش حالة كاملة من انعدام الأمن. في ذلك الجانب (العراقي) كل الأمور مزعجة ومؤذية، القنابل والصواريخ والعناصر الإرهابية. وفي هذا الجانب (إيران) الشيء الوحيد الذي يزعجنا اليوم هو صوت هبوب الرياح».
يا لهذه الوقاحة المتكررة! يدرك ذلك المذيع الإيراني قبل غيره حقيقة أن ما يحدث في العراق حاليًّا هو بسبب عناصر بلاده من الحرس الثوري والميليشيات الطائفية والإرهاب الذي يخدم مصالح النظام الإيراني قبل غيره. نعم، يعاني العراق عددا من الإشكاليات الكبيرة والكثيرة، ولكنها جميعًا قادمة من حدوده الشمالية والشرقية، فلم يكن العراق يعرف لا الطائفية ولا الصراع المذهبي، ولم يبرز أكثر من خمسين ميليشيا طائفية في العراق إلا بعد تَدخُّل هذا النظام الإيراني في الشأن الداخلي للعراق، ويجري إيصال عملائه إلى السلطة ليسيطروا على مفاصل الدولة. في يوم من الأيام كان الإيراني يحلم بالسفر إلى العراق، سواء من أجل العمل أو من أجل النزهة والاستمتاع، أما اليوم فيُضرَب بالعراق المثل في الخراب والدمار وعدم الاستقرار!
أما وصف المذيع إيران بأنها تتمتّع بالاستقرار الكامل والتامّ، وأن الإيرانيين لا يزعجهم إلا صوت الرياح، فما هذا إلا مبالغة كبيرة يدركها المذيع قبل أن يدركها غيره. في عام 2014 حلّ العراق في المرتبة الأولى على قائمة الدول الأكثر تعاسة في العالَم، حسب مؤسسة «غالوب» التي تقدّم الاستشارات الإدارية والموارد البشرية والبحوث الإحصائية، أما إيران فقد جاءت في هذه الإحصائية في المركز الثاني بعد العراق مباشرةً.
لقد حاول هذا المذيع أن يخدع الشعب الإيراني مرتين، الأولى حين قارن إيران بالعراق الذي يعيش أسوأ مراحل تاريخه الحديث، والثانية حين حاول إقناع الشعب الإيراني بأنه يعيش حالة استقرار على جميع الأصعدة، في حين يقول الواقع إن إيران هي الدولة الأولى من حيث عدد الإعدامات في العالَم نسبةً إلى عدد السكان، وإنها الدولة الأولى في حالات إعدام الأطفال والقاصرين، وإن جواز السفر الإيراني يتذيل التقييم العالَمي من حيث السماح لحامليه بدخول الدول دون تأشيرة، والأهم من ذلك أن حاملي الجنسية الإيرانية وُضعوا على قائمة مَن يُحظَر دخولهم الولايات المتحدة الأميركية حاليًّا، في حين خرج عراقيُّو الجنسية من هذه القائمة.
كذلك تجاهل المذيع أن قرابة 40% من الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر، وتناسى أن متوسط دخل المواطن العراقي الذي لا يزال يعاني الأمرَّين أكثر من متوسط دخل نظيره الإيراني بمراحل كثيرة، وفي الوقت نفسه تجاهل المذيع الذكي ما تعيش فيه مناطق شرق إيران وشمالها وغربها، حيث ينتشر الحراك المسلَّح من الشعوب غير الفارسية، مثل البلوش والأكراد والعرب، مما يشكِّل تحديًا أمنيًّا للنظام الإيراني، حتى وصل تقييم الخطر الأمني في منطقة مثل بلوشستان إلى «مرتفع»، وَفقًا لمؤسَّسات بحثية عالَمية.
نعم، إن العراق، عربًا وأكرادًا، شيعةً وسُنَّةً، يعاني من العبث الإيراني، ويدركون جيدًا أن نظام ولاية الفقيه يعمل ليل نهار على إبقاء العراق دولة فاشلة تعيش حالة من الفوضى والدمار، حتى لا تقف في وجه مشروع طهران التوسعي، من جانب، ومن جانب آخر، تبقى مثالًا للفشل يستخدمه نظام ولاية الفقيه في مخادعة الشعوب في إيران.
على الشعب العراقي مسؤولية قبل غيره لإدراك هذه الحقيقة من خلال العودة إلى تاريخ العلاقة بين البلدين وربطها بما يراه على الواقع حاليًّا، كما أن على الدول العربية مسؤولية إنقاذ البوابة الشرقية للوطن العربي وإعادتها إلى الحضن، وإعادة تأهيلها بعيدًا عن النزعات الطائفية أو القومية. حمى الله العراق وأهله.