نشرت صحيفة «الوطن» تصريحا لسعادة عضو مجلس الشورى د. أسماء الزهراني، والذي وصفت فيها قيادة المرأة بالترف. لن أزايد على موضوع القيادة، فالقول بالسماح أو عدم السماح شأن سيادي يعود إلى الإرادة السياسية في الوطن أولا وأخيرا، لا إلى مجلس الشورى ولا إلى المجتمع.
أتمنى فقط أن توضح لنا سعادة عضو مجلس الشورى، كيف يمكن اعتبار القيادة ترفا في بلد تنعدم فيه وسائل النقل العام، وتمتلئ شوارعه بعمالة وسيارات شركات الأجرة؟ كيف ستذهب السيدة د. أسماء إلى مقر عملها؟ وكم سيتبقى لها من دخلها الذي خرجت من منزلها أصلا لأجله، بعد أن تدفع أجرة السائق أو سيارة الأجرة؟ هل الحل في أن يترك زوجها أو والدها أو وليها -أيّا كان- مصالحه ويتفرغ لتوصيلها من وإلى مكان العمل؟ كيف يكون حاله مع ثلاث أو أربع سيدات في المنزل بين موظفة وطالبة؟، يقول أحدهم «من واجب من يصل لوجهته أن يساعد غيره على الوصول».
تمنيت لو أن سعادة عضو مجلس الشورى استخدمت لغة علمية واضحة في مخاطبة المجتمع، فهي باحثة أولا، وتعلم أن مجتمعنا اليوم لا يشبه مجتمعنا بالأمس. مخاطبة جمهور اليوم دون أرقام وإحصاءات ودلائل لا تقنعه، حتى مع العزف على وتر الأولويات، أو وصف قيادة السيارات بالترف، أو مقارنة القيادة بالتوظيف، وكأن من يريد إحداها لا يهتم للأخرى. هذه المقارنات ليست حقيقية ولا منطقية، إذ إن مفهومَي الترف والضرورة يتفاوتان بين الناس.
قالت الدكتورة، إن كل النساء يردن الوظائف، لا أعرف ما تريده النساء اللواتي استفتتهن الدكتورة أسماء، لكن في دائرتي الاجتماعية أجد أن النساء يردن أصواتا واقعية وواعية، تعرف أن معالجة التحديات تبدأ من الجذور لا من الظواهر.
السيدات في دائرتي الاجتماعية ينظرن إلى الواقع باعتبار التحديات شبكة معقدة وليست سُلّمًا تحتل فيها قضية ما المركز الأول، وقضية أخرى المركز الأخير. نعم، تتفاوت أولويات السيدات، مع اتفاقهن على التطلع إلى مستقبل لا يشوبه الخوف في ظل القانون. فلا خوف من تسلط زوج مستهتر، ولا من تعنيف ولي متعسف. تريد المطلقة مثلا ألا تُؤذَى في أبنائها، وأن تستطيع إصدار أوراقهم الثبوتية، وتسجيلهم في المدارس والمراكز الصحية، والسفر معهم دون الحاجة إلى وجود أو حضور من استنقذت نفسها منه بالانفصال، ودون استجداء حقها عبر المناشدات، أو ضياع عمرها في المحاكم.
تريد المعلقة أو المعضولة أن تجد سبيلا سريعا للخلاص مما هي فيه، لا تشعر معه بأنها عالة على ذويها أو رقما زائدا على الحسبة، ولا تراقب سنين عمرها تتسرب من بين يديها.
تريد المحرومة من الدراسة حلا لهذا الحرمان الذي استهدفها لنوعها فقط، بتوقيعٍ من ولي لا يسأله أحد «لماذا تحرمها من حقها في الدراسة؟»، وتريد الموظفة أن يكون راتبها التقاعدي عند وفاتها لورثتها، مثل شقيقها الرجل. باختصار، تريد النساء تمكينا متكاملا، يبدأ من قانون صارم يحمي استقلاليتهن وحقوقهن، مرورا بتشريعات وثقافة تحمي هذا القانون، تريد المرأة المواطنة أن تُعامَل كالرجل المواطن في الحقوق كما في الواجبات.
إن إطلاق الأحكام بلا تعليل أو منطق يراعي مصالح الجميع سهل، ويستطيعه أيّا كان، لكن ثقة القيادة في أعضاء مجلس الشورى تحتِّم عليهم أن يجمعوا ما استطاعوا بين الحكمة والمعرفة وبُعد النظر في النصيحة. على أعضاء مجلس الشورى والباحثين منهم تحديدا، الحذر والدقة عند تناول قضايا المجتمع في تصريحاتهم، فالثقة يصعب جدا استعادتها بعد التفريط فيها.