ما أبهى الكلام عن أبها!
أبها التي أغرت القلوب بجمالها وسحرها، وأسرت الأذواق ببساطتها وأصالتها حتى قال فيها الشاعر أحمد الصالح (مسافر):
مليحة، ومعين الغيم أرضعها
هذا الجمال، فما ملت وما فطما
تفتقت أرضها عن سر فتنتها
مرابعًا أتعبت في عشقها أمما
وتوجت إبداعها وجذبها بحصولها على لقب عاصمة السياحة العربية لعام (2017)، وهو تتويج مستحق لم تكن لتحظى به لولا الجهود المباركة التي بذلها ويبذلها صناع النجاح، ورواد الإبداع في المنطقة، وفي مقدمتهم الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير.
ولأن أبها هي الأبهى فمن الجميل أن تحتفل في هذا العام (1438) بتتويجها بهذا اللقب وهي تكمل عامها المئة على انضمامها للوحدة الوطنية التي أرسى ركائزها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في عام (1338).
وبتتبع آراء بعض الباحثين الذين يرون أن أبها كانت تسمى في الماضي (إيفا) وهي الموقع الذي كانت تحمل منه إبل الملكة (بلقيس) الهدايا إلى نبي الله سليمان، عليه السلام، لأنها كانت مركزا تجاريا مهما، وهكذا عاشت أبها وبقيت حاضنة للحضارة منذ القدم، واشتهرت باستقبال زائريها، وتهيأت الظروف الملائمة لهم من سكن، وضيافة، ورعاية.
وقد حظيت بمتابعة الكثيرين حتى إننا لنجد مجلة العربي الكويتية تنشر في عددها رقم (128) في يوليو (1969) تحقيقا مطولا مدعما بالصور عن مدينة أبها، حيث قام بذلك الاستطلاع الجميل (سليم زبال) وبتصوير (أوسكار متري)، وخصصت المجلة صورة الغلاف لفتاة صغيرة من أبها، وكتبت تحتها (أنا عربية من أبها)، حيث أورد التحقيق وصفا للإبداع الهندسي في بناء المنازل القديمة في أبها، وطبيعة الحياة فيها، والابتسامة والبشاشة اللتين هما سمتان لأهلها!
وغاص المحقق في أدق تفاصيل الحياة في أبها؛ لنجده يصف ذلك الركن الموجود في كل منزل والذي يطلق عليه (الصلل)، حيث تجلس العائلة -كبيرها وصغيرها- حوله؛ لشرب القهوة، والشاي.
وأبها السامقة التي تهوى القمة دائما كما هو حالها في موقعها تعيش في أعالي الجبال، وتحتضن الغيم والضباب، وتستهوي الشيب والشباب، هي جديرة بأن نكتب عنها، وأن نسطر فيها أجمل الكلمات، وأحلى العبارات التي سبقنا إليها كبار زوارها، وكبار أدبائنا، فالأماكن الجميلة لا بد أن تبرز في مشاهد الأدب؛ فتشكل النصوص؛ لتظهر لنا صورا تحمل الواقع الجميل، والخيال المحلق.
فها هو المستكشف الإنجليزي (جون فيلبي) يقول عن أبها: «لقد أعطتني أبها وأنا أرحل عنها مذاقا مختلفا للجزيرة العربية، إنها حقا ما أسماه الرومان بالوطن العربي السعيد... ذات ظهرية شعرت بالفعل أنني لست في الجزيرة العربية، إن هذا الشعور لن يفهمه، أو يتخيله إلا عندما تخبره من يشعر بذلك».
وقد نالت أبها اهتمام الباحثين والدارسين الذين رصدوا الحركة الثقافية في أبها، كالأستاذ علي آل عمر عسيري في كتابه (أبها في التاريخ والأدب)، والشيخ هاشم النعمي في كتابه (شذا العبير من تراجم علماء، وأدباء، ومثقفي عسير).
وأبها -اليوم- تتطلع إلى المزيد من التطوير، ومن حقها علينا جميعا أن نسعى إلى تطويرها بأفكارنا، وكتاباتنا، ومحافظتنا عليها، وزيادة جمالها، وتقدمها في ظل تطلعات ولاة أمرنا الطموحة، ورؤاهم الجموحة، واستشراف مستقبلها الزاهي مع الأمير المحبوب فيصل بن خالد القائل: «إن اختيار أبها عاصمة للسياحة العربية هو إنجاز يضاف لمنجزات الوطن، وهو لقب يحملنا الكثير من المسؤوليات، ويجعلنا نضاعف الجهود؛ لتصبح أبها عاصمة للتفرد والجمال كل عام».