تبنت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 لتكون منهجاً وخارطة طريق لمشروع عمل اقتصادي وتنموي، يقوم على تنفيذه جميع قطاعات الدولة من العام والخاص، وذلك بناء على مستهدفات وتوجهات وسياسات محددة تُبلور ما تسعى إليه القيادة من تطلعات ورؤى تتحقق من خلالها تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة ومستدامة تشمل جميع المواطنين بمختلف شرائحهم وطبقاتهم ومؤهلاتهم، ليكونوا القاعدة المتينة التي تحمل على أكتافها مسؤولية النهوض بالوطن بكافة مقدراته وخيراته التي وهبها الله إياه فيكونوا ذخراً للوطن المعطاء.
وتبعاً لذلك انطلق برنامج التحول الوطني 2020، للمساهمة في تحقيق الرؤية المستهدفة وذلك كخطة عمل مرحلية لإنجاز تطلعات الرؤية ومضمونها الطموح وفق مستهدفات محددة من خلال المبادرات والبرامج اللازمة لتحقيق هذه الأهداف بشكل سنوي والمبني على خطط تفصيلية، ويعتمد على مؤشرات مرحلية لقياس الأداء ومتابعته، وقد انطلق البرنامج في عامه الأول ليشمل 24 جهة حكومية على أن تتم إضافة جهات أخرى في الأعوام المقبلة.
وحيث إن قيادة المرأة للسيارة مرتبطة بتمكينها المستهدف الذي تضمنته أهداف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في خطتها المرحلية في الهدف الثامن والمعني بـ «توفير فرص عمل لائقة للمواطنين»، وهو مرتبط بأهداف الرؤية الموثقة في برنامج التحول الوطني والتي تستهدف تحديداً: تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لاحتياجات سوق العمل، وتنمية مهارات الشباب وحسن الاستفادة منها، وتمكين المرأة واستثمار طاقاتها، وتمكين ذوي الإعاقة من الحصول على فرص تعليم وعمل مناسبة، وذلك من خلال مؤشرات هامة لقياس الأداء ومتابعته والمحددة في: عدد فرص العمل الإضافية اللائقة المتاحة للسعوديين من القطاع الخاص للنساء والرجال، معدل البطالة للسعوديين، معدل تكلفة توظيف السعوديين مقارنة بالوافدين، نسبة القوة العاملة النسائية. وحيث إن موضوع قيادة المرأة للسيارة في المملكة بات شأناً محلياً وحالة خاصة تختص بها المملكة فقط دون أخواتها من دول مجلس التعاون لكونهم الأقرب لنا جغرافياً وسياسياً والأنسب للمقارنة، فهم الذين يشاركوننا مبادئنا الدينية بنمطيتها الخليجية وبما تتضمنه من ثوابت شرعية، وعاداتنا الاجتماعية وقيمنا الثقافية، ومجادلاتنا الفكرية التي تتميز بها دول المنطقة حول العديد من العادات الاجتماعية التي تؤخذ في الاعتبار وكأنها من الثوابت الدينية.
وبالإشارة إلى المؤشرات السابقة لقياس الأداء، وفي ظل محدودية فرص العمل المتاحة للنساء على الرغم مما تضمنته خطط التنمية ومضمون الرؤية من تمكين للنساء وإتاحة المزيد من فرص العمل لهن في القطاعات المختلفة، فإن ذلك مرهون في حقيقة الأمر ليس فقط بوضع التشريعات والقوانين التي تخدم ذلك التوجه فقط، وإنما بالعديد من الإجراءات التي تقتضي تغييرا فعليا في الهيكل المؤسسي لقطاعات الدولة المختلفة، بحيث يتضمن النساء من مكونات موارده البشرية المعتمدة دون تمييز، ويُدعَم ذلك بالقوانين والأنظمة والتشريعات ذات الصلة التي تخدم تمكين المرأة وإتاحة فرص العمل لها ومنها قيادة المرأة للسيارة، إذ لا يمكن تسطيح فكرتها واعتبارها ترفاً لأن في ذلك مؤشرا لسطحية الرؤى وضيق الأفق في معالجة إشكالياتنا وتحدياتنا المجتمعية التي تواجهنا، والتي ستكون حجر عثرة في تحقيق برنامج التحول الوطني بداية والرؤية الطموحة تالياً، والسؤال لماذا لا يُنظر إلى موضوع قيادة المرأة للسيارة على أنه إجراء ومبادرة لمنحها فرصة عمل إضافية تستحقها المرأة المواطنة؟ وبها يُمكنها أن تكون سائقة لسيارة أجرة سواء لحسابها الخاص أو ضمن تلك الشركات القائمة في السوق الوطني، أليس ذلك أعظم أهمية وأكثر أمناً من قيادة الرجل لسيارة بها نساء فقط؟! ألا يكون ذلك وسيلة ومبادرة فاعلة للحد من وجود السائقين الوافدين في الوطن؟ ألسنا نسعى إلى الحد من العمالة الوافدة غير المؤهلة التي يمثل السائقون جُلْهم؟ أليست قيادة المرأة للسيارة، يمكن أن تكون حلاً لمواجهة تحدي تكلفة المواصلات وأزمتها التي تحد من مشاركة المرأة في سوق العمل الوطني؟!، أليس في إتاحة قيادة المرأة للسيارة وسيلة للحد من الفقر؟! من خلال إمكانية أن تعمل المرأة في هذا المجال سواء كسائقة لحساب نفسها أم لغيرها أم لقضاء احتياجاتها وأسرتها.
ومن جهة أخرى فإن مؤشر القياس الثاني والمرتبط بنسبة البطالة للسعوديين نجد أنه في نمو متزايد وذلك بناء على بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فبعد أن كان المعدل 12,1% في الربع الثالث من العام 2016م، أصبح المعدل 12,3% في الربع الرابع من العام 2016، إذن أليس في توفير فرص العمل تلك وسيلة للحد من البطالة خاصة للشرائح المتوسطة في تعليمها وتأهيلها؟ ألا يتطلب سوق العمل شرائح مختلفة من الكفاءات والمؤهلات؟ ألم نشاهد إقبالا واضحا من الذكور الموظفين للعمل في تلك الشركات التي نشأت حديثاً في سوق العمل (أوبر، كريم) لتحسين وضعهم؟! لماذا إذن تُحرم النساء من المشاركة في تلك الفرص المتاحة والتي لا تتطلب مؤهلات أكثر من تعليم مهارة قيادة السيارة؛ والتعرف على آلية استخدام جوجل لتحديد الاتجاهات؟ لماذا لا نراجع بياناتنا الوطنية حول معدل بطالة النساء المواطنات (34,5%) والتي لا تشمل الباحثات عن عمل (80,64%) ونضعها كتحدٍ يجب الحد منه؟ وذلك بناء على بيانات الهيئة العامة للإحصاء في الربع الرابع من العام 2016م.
أما المؤشر الثالث فيتضمن معدل تكلفة المواطنين مقارنة بالوافدين، وحيث إن ذلك المؤشر لا تتوفر عنه بيانات مسجلة رسمياً ومتاحة، فإنه لا بد من التنويه إلى أن توظيف المواطن مهما بلغتْ تكاليفه فهو مكسب وطني ووسيلة لتحقيق مضمون الرؤية 2030، والتي تمثل مستهدفات برنامج التحول الوطني 2020.
أما المؤشر الرابع لقياس الأداء فهو نسبة القوة العاملة النسائية، إذ تؤكد البيانات الوطنية للإحصاء أن هناك انخفاضا كبيرا في نسبة مشاركة الإناث المواطنات من جملة المشتغلين في سوق العمل الوطني والتي بلغت 7,30% من جملة المشتغلين، و33,29% من المشتغلين من المواطنين.
وبناء على ما تم توضيحه من إيجابيات لقيادة المرأة للسيارة، فهل يمكن أن تكون الآراء المضادة موضوعية؟! وذلك على الرغم من أهمية احترام اختلاف الآراء والأفكار في ذلك الشأن وغيره من الأمور المجتمعية، ولكن يبقى الشرع هو الحكم والمرجع الأصل في ذلك، فهل هناك ما يُثبت تحريم الدين لقيادة المرأة للسيارة تحديداً أو حتى قياساً؟! أم أن المرأة في التاريخ الإسلامي وعهد النبوة كانت حاضرة في كافة الميادين المجتمعية، ومن جهة أخرى فالتساؤل المطروح هل إتاحة الفرصة للمرأة بقيادة السيارة مُلزمة للجميع؟ أم هي أمر اختياري متروك لطالبيه ومريدي ذلك طالما تأهلوا له وفق ضوابط يضعها النظام من الجهات المختصة؟! وهل يمكن أن نجادل في قيادة المرأة للسيارة بأن هناك أمورا كالتوظيف والإعالة وغيرها أهم أن تطرق وأن تجد لها إجابات، وأنها ترفاً، بدلاً من مناقشة ذلك الموضوع بعمق ورؤية واعية، وذلك بعد أن بات وأصبح في آن واحد من المواضيع المستهلكة والمعلّقة، والتي تنتظر أن يُحسم أمرها لأهميتها في الحد من التمييز ضد النساء في التوظيف وفرص العمل من جهة، وكوسيلة وإجراء لتحقيق مستهدفات برنامج التحول الوطني 2020، ومرحلة من مراحل متطلبات بلورة رؤية 2030.