تمر وزارة التعليم هذه السنة بحالة خاصة تستدعي سؤال العدالة. الحالة هي التالية: تعقد وزارة التعليم، في مستوياتها المختلفة: تعليم عام وتعليم عال، تعليم حكومي أو خاص، اختباراتها النهائية في شهر رمضان.

الوزارة بمدارسها وجامعاتها ومعاهدها وكلياتها ستقوم بالمهمتين التاليتين: إجراء الاختبارات على الطلاب والطالبات ومنع الطلاب والطالبات من الأكل والشرب. المهمة الأولى يفرضها موعد الاختبارات الذي أعلن، والمهمة الثانية يفرضها النظام الذي يلزم المدارس بمنع الأكل والشرب في المدارس في نهار رمضان. هذا يعني أن المؤسسات التعليمية ستقوم باختبار الطلاب والطالبات وفي ذات الوقت تمنعهم من التزود بالطعام والشراب وهما ضروريان لتوفير الطاقة لأداء الاختبارات.

من المعلوم تماما أن الإنسان يحتاج للطاقة أثناء الاختبارات. الدراسات تشير إلى أن تناول وجبة الإفطار يساعد على تحسين الأداء في الاختبار. من خبرتي الشخصية في التعليم أعلم يقينا حاجة الطلاب لشرب الماء وأحيانا لبعض الوجبات البسيطة لكي يستمروا في الاختبار خصوصا حين يواجهون اختبارات تمتد لثلاث ساعات وتحتوي عمليات معقدة تستهلك الكثير من طاقتهم. نعلم أن الدماغ من أكثر الأجهزة في الجسم استهلاكا للطاقة. السؤال الذي يواجه الوزارة إذن: كيف تطلب من الطلاب والطالبات القيام بمهمة ما (الاختبار) وأنت تمنعهم في ذات الوقت من أحد العوامل الأساسية التي قد تساعدهم على تحسين أدائهم؟ بصيغة أخرى: كيف تطلب من الطالبات والطلاب القيام بمهمة ما (الاختبار) وأنت تعمل على تطبيق شروط تقلل من قدرتهم على الأداء؟ سؤال الإنصاف إذن كالتالي: هل ستوفر الوزارة الشروط العادلة لقياس قدرات الطلاب والطالبات وهي تجري الاختبارات في ظروف غير مناسبة صحيا؟

 عادة ما تعقد الوزارة الدراسة في العاشرة صباحا، وآخر موعد للأكل في رمضان، على الأقل في مدينة الرياض، هو في حدود الرابعة فجرا. مما يعني أن هناك على الأقل ست ساعات تفصل بين آخر وجبة وأول اختبار. بل بين آخر شربة ماء وأول اختبار. الاختبار قد يمتد لثلاث ساعات وقد يكون هناك اختباران في اليوم. مما يعني أن المدة قد تمتد إلى عشر ساعات. طلاب الجامعات قد يواجهون اختبارات تبدأ في موعد متأخر عن العاشرة صباحا وبالتالي فاحتمالية ارتفاع مدة الانقطاع عن الأكل والشرب قد ترتفع عندهم أكثر. السؤال المهم جدا للجميع وخصوصا لمتخذ القرار التربوي: هل من العدل أن نختبر طلابنا وطالباتنا في هذه الظروف؟ لنتذكر هنا أن أداء الطلاب والطالبات ونتائجهم التي ستؤثر على مستقبلهم من جهة الانتقال للمرحلة المقبلة، التخرج ودخول الجامعة، أو التخرج والحصول على وظيفة بالنسبة للجامعيين والجامعيات. سؤال العدالة يشمل كذلك: هل نوفر لطلابنا وطالباتنا فرصا متكافئة للمنافسة مع زملائهم وزميلاتهم في العام الماضي الذين اختبروا في ظروف أفضل؟ أو مع زميلاتهم وزملائهم في دول العالم المختلفة والذين سينافسونهم على مقاعد الجامعات العالمية وعلى الوظائف متعددة الجنسيات؟ الصورة يمكن تقريبها بالمثال التالي: تخيل أنك تجري سباقا بين مجموعتين: الأولى لديها الحق والقدرة على تناول الطعام والشراب الضروري قبل السباق بينما يتم منع المجموعة الثانية من تناول أي شراب أو طعام قبل السباق بست ساعات. أعتقد أننا سنتفق على أن المسابقة تفتقد شروطا جوهرية لكي نقول إنها مسابقة عادلة. قد يقول البعض إن الدراسة في رمضان ليست بالأمر الجديد. صحيح ولكن الاختبارات حالة خاصة من الدراسة. الجهد الذهني والنفسي الذي يبذله الطلاب والطالبات في الاختبار يفوق بكثير أوقات الدراسة العادية، كما أن الآثار المترتبة على مستوى الأداء في الاختبارات لا تقارن بالآثار المترتبة على مستوى الأداء في الأيام العادية. أذكر أن كثيرا من المعلمين كانوا يتجنبون تقييم الطلاب في رمضان تقديرا لظروف الصيام.

 أعتقد أن التساؤلات أعلاه يفترض أن تثير قلقا كبيرا عند صانع القرار التربوي تجاه توفر شروط العدالة لطلابنا وطالباتنا ونحن نختبرهم في رمضان. هذا الموضوع بالتأكيد هو مثار نقاش اجتماعي واسع يجب ألا ينظر له على أنه مجرد محاولة للتملّص من العمل في رمضان. هذا النقاش يمس حالة مهمة لعدد كبير جدا من الأسر القلقة على مستقبل أبنائها وبناتها.

 ماذا يجب أن تفعل الوزارة؟ قدم الناس مقترحات كثيرة منها: إجراء تعديل زمني إما في مواعيد الاختبارات بحيث يتم تقديمها قبل رمضان أو بتقديم مواعيد الدوام بحيث تبدأ الاختبارات يوميا بعد صلاة الفجر. هذه التعديلات ستخفف كثيرا من الآثار المشار إليها أعلاه في هذا المقال. هذه التعديلات قد ترفع من مستوى العدالة إلى حالة أفضل من الحالة الحالية. تقديم الاختبارات إلى ما قبل رمضان سيعيد الأمور إلى نصابها، وإجراؤها في وقت مبكر من اليوم سيخفف من الإشكالات ولكنه لن يقضي عليها.

 المهم هنا أن تنظر الوزارة للأمر على أنه أمر مرتبط بشكل وثيق بالعدالة والالتزام الأخلاقي والقانوني تجاه الطالبات والطلاب وتجاه المجتمع. قد تواجه الوزارة اعتراضات قانونية تجاه مصداقية تقييمها للطلاب في ظروف لا تساعدهم على الأداء والفعالية. الوزارة مسؤولة بشكل مباشر عن إدارة وتنظيم العمل التربوي بما يخدم الأفراد والمجتمع ضمن شروط ضامنة للعدالة في التعامل وتكافؤ الفرص.