بينما يشكل الناتج المحلي الاجمالي للسعودية والإمارات 1140 مليار دولار أميركي ليعادل 42 % من الناتج الإجمالي العربي، تتمتع هاتان الدولتان الشقيقتان برابع أكبر احتياطي نقدي في العالم بعد الصين واليابان وسويسرا بقيمة 642 مليار دولار، لتصبح علاقتهما الاقتصادية الأكبر بين مثيلاتهما في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى صعيد المنطقة العربية، حيث بلغ عدد المشاريع السعودية في الإمارات 206 مشاريع و35 فندقاً، وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين إلى 21 مليار دولار، وزاد عدد شركاتهما المشتركة على 3121 شركة.
من هذا المنطلق تم إنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي ضمن الاتفاقية الثنائية المبرمة بين المملكـــــة ودولة الإمارات في مايو 2016، لمواجهة الوضع الإقليمي الراهن والتحديات العالمية المحتملة، والخروج بأفكار واقعية ومبادرات نوعية وحلول مبتكرة. فأصبح هذا المجلس اليوم النموذج الأمثل للتعاون الثنائي بين الدولتين الشقيقتين، والركيزة المثلى لإطلاق خلوة العزم بهدف التشاور المستمر والتنسيق الدائم بين الطرفين في الأمور والمواضيع ذات الاهتمام المشترك في كافة المجالات، وبما يتوافق مع رؤية القيادة وأهداف المجلس.
ونظراً لأن خلوة العزم تركزت في ثلاثة محاور استراتيجية تختص بالمواضيع الاقتصادية، والنواحي المعرفية والبشرية، والأمور السياسية والعسكرية والأمنية، فقد تم تشكيل 11 فريقاً من فرق العمل المختلفة لمناقشة مواضيع هذه المحاور وتوجيه مسارها. ففي المحور الاقتصادي تم التركيز على آليات تعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين، وإيجاد حلول مبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وتعزيز البنية التحتية والإسكان، وتكوين الشراكات الخارجية، وتنمية الإنتاج والصناعة، والزراعة والمياه، وتطوير الخدمات والأسواق المالية، وتحسين مستوى القطاع اللوجستي، وتفعيل التعاون في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات، بينما ركز المحور المعرفي والبشري على مناقشة التعليم الفني، وركز المحور السياسي والعسكري على التنسيق والتعاون والتكامل السياسي والعسكري.
وللتأكيد على أهمية هذه المحاور احتوت خلوة العزم على العديد من الجلسات الرئيسية في قطاعات السياحة والتراث الوطني، والشباب، والتطوير الحكومي والخدمات الحكومية، وريادة الأعمال، والطاقة المتجددة، والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، والتعاون البحثي، والتكامل الأمني.
إلا أن دولنا الخليجية عامةً، والسعودية والإمارات خاصةً، ما زالت تواجه تحديات مقلقة ومشتركة، تخطت مشكلة اعتمادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل، وتعدت مشاكل توسيع وتعميق قاعدتنا الإنتاجية، لتصب بشكل أساسي على تراجع قدراتنا في إدارة المخاطر التي تواجهنا، مثل تفاقم البطالة، وتراجع الأمن المائي والغذائي، وانخفاض مستوى المحتوى المحلي، مما يعيق تحقيقنا للنتائج المرجوة، إلا إذا أدرجنا هذه التحديات للتصدي لها في خلوة العزم:
أولاً: إنشاء الجهاز السعودي الإماراتي المتخصص في إدارة المخاطر لاستقراء اتجاهاتها وإسقاط مؤشراتها ووضع الخطط اللازمة للتصدي لتحدياتها وتحييد تداعياتها ومعالجة نتائجها. ويتم ذلك بواسطة تكوين فريق من الخبراء المختصين في المجالات المختلفة، تقتصر مهمتهم على مواصلة العصف الذهني بشأن المواضيع الملحة التي تواجه مجتمعنا وتؤثر على معطياتنا واقتراح البدائل لكافة السيناريوهات المحتملة وتقييم النتائج لمختلف الاحتمالات المتوقعة.
ثانياً: إنشاء المخزون الاستراتيجي للأمن المائي وللأمن الغذائي، حيث تعتمد المملكة والإمارات على المياه المحلاة بنسبة لا تقل في المتوسط عن 65 %، والمياه الجوفية النابضة بنسبة 35 %، فإننا سنحتاج إلى 88 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنوياً، مما يتطلب ضرورة تشجيع القطاع الخاص على تصنيع معدات التحلية وقطع غيارها ونقل تقنياتها. كما تربعت المملكة والإمارات، بالنسبة لعدد سكانها، قائمة أكبر القوى الشرائية للمواد الغذائية المستوردة في العالم، لتحتل الدولتان الشقيقتان اليوم المرتبة الـ 18 في قيمة الغذاء المستورد، الذي يشكل 83 % من احتياجاتنا الغذائية، وذلك لأننا نعاني من فجوة غذائية مزمنة تعادل 100 % في الأرز والقمح و92 % في الذرة و86 % في الشعير و62 % في الدواجن و34 % في اللحوم والألبان.
ثالثاً: إعداد فريق متخصص في التجارة العالمية لإجراء مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الصديقة، وفتح المنافذ والأسواق الدولية للصادرات الخليجية، والدفاع عن مصالحها والتصدي لقضاياها المصيرية، ودفع وتيرة التكامل الاقتصادي الخليجي لتوحيد أنظمته التجارية والاستثمارية والمالية، وتوفير الحماية اللازمة للمنتجات السعودية والإماراتية في الأسواق المحلية.
رابعاً: الإسراع في تسهيل حركة النقل السريع بين المملكة والإمارات من خلال ربط البنى التحتية والخدمية بالجسر البري للسكة الحديدية وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات وتقنية المعلومات. وهذا سيسهم في تطبيق مبدأ المنفذ الجمركي الموحد وتعظيم قدرات سوقنا الخليجية المشتركة ومضاعفة نسبة التبادل التجاري المأمولة. كما سيسهم هذا الربط في توسيع وتعميق القاعدة الإنتاجية للمملكة والإمارات من خلال ضخ المزيد من رؤوس الأموال في الصناعات التكميلية أفقياً ورأسياً، ومضاعفة عدد المدن الاقتصادية وتشجيع بناء التجمعات الصناعية، وتوفير الدعم الكامل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمضاعفة صادراتنا غير النفطية من 22 % إلى 50 % من إجمالي الصادرات، وتخفيض وارداتنا من 90 % إلى 40 % من إجمالي الاحتياجات، مع زيادة نسبة مساهمة قطاعنا الخاص في الناتج الإجمالي لكلا البلدين الشقيقين من 40 % إلى 65 %، لتتماشى مع النسب المماثلة في دول العالم في المحتوى المحلي.
لا شك أن مجلس التنسيق السعودي الإماراتي سيسعى لتكامل اقتصادنا الخليجي، الذي سيمنحنا الفرصة المثالية لتعظيم قدراتنا الذاتية وتحقيق أهداف رؤيتنا المستقبلية وتشجيع مكاسب شعوبنا، ليصبح هذا التكامل الخليجي أكبر قوة اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وسادس أقوى شراكة استراتيجية في العالم أجمع، وهذا ما نأمله من خلوة العزم.