عفواً عزيزي القارئ، فأنا لم أخطئ في العنوان لأنني لم أقصد الإشارة هنا إلى منتدى السيدة خديجة بنت خويلد في دورته الثانية، والذي اختتم أعماله يوم الثلاثاء 30 نوفمبر 2009، وجاء تحت عنوان كبير هو واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية. ما وددت الإشارة إليه هو المفارقة والصدمة التي تصيبنا إذا تخيلنا احتمالية عقد منتدى تحت هذا العنوان الضخم يخصص لمناقشة هل ولماذا وكيف وما هي المعوقات أمام الرجل للمشاركة في التنمية الوطنية؟
هل يشارك الرجل في جميع الأعمال أم نحصر عمله في بضع خانات تتوافق مع طبيعته؟
هل نقصر بيع الملابس الداخلية الخاصة بالرجال على أماكن معزولة لها أبواب محددة لدخول الرجال ومغطاة بزجاج عازل، كي لا تفتن النسوة؟
هل نطلب من الرجل شرط إحضار إذن للعمل؟
لماذا تدرج عبارة "وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية" حينما تتعلق القوانين بعمل المرأة، ولا تدرج فيما يختص بالرجل؟ أليس الرجل هو أيضاً مقيد بمقتضيات الشريعة الإسلامية، أم أن تلك المقتضيات تخص المرأة وحدها وتطبق عليها فقط دون الرجل؟
في الحقيقة أسوق هذه التساؤلات لا من باب السخرية ولكن من باب الإنسانية، فالرجل والمرأة تجمعهما صفة الإنسان قبل أن تفرقهما صفة الذكورة والأنوثة.
المرأة إنسان والمنظور الإنساني للمرأة هو ما يحدد موقفنا منها ومن التعامل مع قضاياها. والنساء، كما عبر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بكل عفوية وإنسانية، "ما منهن إلا كل خير" فلماذا ينظر البعض منا إلى المرأة وكأنها شر أو شيطان يجب الحذر منه والتضييق عليه؟
إن الموقف الاختزالي نحو المرأة وحصرها في نطاق ضيق يضيق به أفق الإنسانية الواسع الذي وهبه الله لبني البشر هو ما يجعلنا نتوجس من المرأة ومن مشاركتها في الحياة العامة، ومن ثم نتشدد في وضع الضوابط والقوانين التي تحكم كل ما له صلة بالمرأة. وهذا الموقف في العمق ينتقص من إنسانية الرجل ذاته دون أن يشعر، لأنه ينظر للمرأة من منظور "تشييئي" لاإنساني، هو كذلك لا يرى في نفسه سوى ذئب ينتهز أول فرصة للانقضاض على فريسة، ولا يرى – وفق هذا المنظور – من نفسه إنساناً يتعامل مع الإنسان الآخر ذكراً كان أم أنثى بالعقل والحكمة اللذين وهبهما الله للإنسان.
أثار منتدى "واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية" الكثير من القضايا الخاصة بتفعيل عمل المرأة وتعليمها وزيادة مشاركتها في الحياة العامة، وقد ازداد المؤتمر ثراء بمداخلات وزراء العمل والثقافة والإعلام ونائبة وزير التربية والتعليم. فقد حرصت كل هذه الوزارات على بذل الجهد ووضع الاستراتيجيات والآليات والتدابير اللازمة التي من شأنها النهوض بواقع المرأة وتغيير الصورة النمطية السلبية للمرأة في مجتمعنا ومناهجنا الدراسية وإعلامنا تناغماً مع رؤية القيادة العليا في المملكة وعملاً بمقتضى توجه مشروع الملك عبد الله للإصلاح.
غير أن كل تلك الجهود، وبكل مرارة وأسى، مازالت بطيئة وغير كافية على الإطلاق لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في العصر الواحد والعشرين. فحتى هذه اللحظة مازالت المرأة تناضل من أجل الاحتفاظ بوظيفتها في العمل "كاشيرة" لتعول نفسها وأسرتها بعمل شريف. وحتى هذه اللحظة مازالت القوانين تسمح للمرأة بافتتاح "مشغل" ولا تسمح لها بافتتاح "صالون" تجميل وقد تتحايل على القوانين لتسمح بتسمية ذلك الصالون "مشغل تجهيز عرائس" ولكن معاذ الله أن يكون مسمى "صالون" مسموحاً. وحتى هذه اللحظة مازالت المرأة لا تستطيع ممارسة الرياضة التي هي حق لكل إنسان في الدنيا، بل ومازالت الرؤية غير واضحة في إمكانية إدخال حصص الرياضة في مدارس البنات. وحتى هذه اللحظة مازالت المرأة تتسول على أبواب المحاكم لتحصل على حقها وحق أطفالها في النفقة بعد الطلاق، بل مازالت تعضل وتمنع من حقها في الميراث الشرعي. وحتى هذه اللحظة مازالت المرأة تحتاج لإذن من ولي أمرها كي تسافر حتى لو بلغت من العمر والنضج والاستقلالية ما لم يبلغه هذا الولي الذي قد يكون ابناً قاصراً لها. وحتى هذه اللحظة مازالت جهودنا تتبعثر وتضيع في مناقشة قيادة المرأة للسيارة. وحتى هذه اللحظة مازلنا نناقش هل تدخل المرأة عضواً في مجلس الشورى أم تظل مجرد مستشارة في قضايا ضيقة ومحددة تتناسب وطبيعتها. وحتى هذه اللحظة مازلنا نتعثر في الإجابة عن سؤال تقنين تزويج القاصرات وقرار نزع الولاية من أب منحرف أو أخ معنف مسيء أو زوج يفتقر لشروط القوامة. و بشكل عام نحن مازلنا نعيش أسرى مفاهيم ذكورية وعادات شعبوية ترى أن هناك قضايا تخص المرأة وقضايا لا تخص المرأة، وكأن هناك قضايا مجتمعية لا تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في المرأة وكأن المرأة ليست جزءا من المجتمع.
إن مجتمعنا بحاجة إلى خطط عمل ومبادرات جريئة من المسؤولين والوزراء لدعم التوجهات الإيجابية التي طرحها الملك عبدالله حفظه الله بما يضمن للمرأة فرصا عادلة في العمل الشريف وتولي المناصب العليا بناء على القدرة والكفاءة لا ارتباطاً بالنوع ذكراً كان أو أنثى. إذا كانت قرارات تعيين الوزراء ونوابهم قرارات سيادية، كما تفضل معالي الوزير عبدالعزيز خوجة، فتعيين نائبة لوزير التربية والتعليم يعني دعم القيادة لهذا التوجه. فلماذا لا يبادر الوزراء الأفاضل في شتى الوزارات إلى دعم هذا التوجه عن طريق ترشيح نساء لهذه المناصب؟
إن الرضا بالقليل لن يأتي بغير القليل، وعليه فلتكن طموحاتنا عالية وجريئة حتى نتمكن فعلاً من الخروج من شرنقة نظرتنا للمرأة على أنها مجرد أنثى تضيق بها رحابة الإسلام وتعقد من أجلها المؤتمرات ويطول حولها الجدل دون خطوات عمل جادة وحاسمة لتحسين وضعها على أرض الواقع.
شكراً للقائمين على مركز السيدة خديجة بنت خويلد فقد حركوا ساكناً، ولكن الأمل معقود على نقل هذا الحراك إلى مستوى الممارسة وترجمته إلى قوانين وتشريعات ملزمة.