دائما كانت الشمس توقظني ربما لأنني لم أكن كباقي الأطفال بآباء وأمهات، لذا حين ينامون في الخلاء يستيقظون في أسرتهم. لم يغسل أحد ثوبي لأذهب به إلى المدرسة لكنني كنت أظن أنه من المهم أن أذهب إلى المدرسة لأنهم كانوا يعطوننا علبة حليب صغيرة وساندوتش جبن. لم يأمرني أحد بالصلاة، لكنني أحببتها فيها شيء كان يجذبني دائما «اللهم اغفر لي ولوالدي»، كنت دائما أظن أنهما يحتاجانه. في اليوم الذي غادرت فيه بيت عمي لألتحق بالعسكرية كان الكل يهنئه على كفالتي حتى أنا شكرته على كل الليالي التي نمتها بلا عشاء، وكل شتائم زوجته لأنني نسيت إطعام البهائم، وعلى عشرات الطرد من مجلسه وعلى اللا مكان الذي كان مكاني.
قال وهو يطفئ سيجارته الشيء السيئ الذي بقي معي من تلك المرحلة ولم تستطع مدارس العسكرية الليلية أن تزيله ولا الجامعة والدراسات العليا هو السجائر التي كنت أظنها طعاما تبقى من سائقي «التريلات» التي اتخذ أصحابها من قريتنا استراحة لهم.
عندما عرفت عن عائشة السفياني تذكرت تجربة هذا اليتيم المميز وتساءلت لماذا لا هو ولا أنا ولا كل الذين أخبرهم أيتام كفلوا صوريا بتجاربهم المريرة، لم نفكر كعائشة ونبادر بمبادرتها.
قالت لي عائشة السفياني، وهي شابة سعودية تعمل في جمعية خيرية، هناك أيتام في دار الأيتام، لكن هناك آخرون يعيشون مع أسر قمت بدراسة وضع الفتيات منهم من سن 9 سنوات حتى 13 سنة، واخترت أن يكن من القرى التابعة لجازان، وجدت أن هناك تسربا دراسيا كبيرا بينهن وقلة وعي، وفقرا مدقعا وحاجات لا تلبى، لأن الأسر نفسها فقيرة أو متوسطة الحال، فقدمت برنامجا تعليميا وتربويا وعرضته على الدارة فقبلته وقامت مؤسسة العيسى برعايته ماديا.
لدي الآن 25 يتيمة نمدهن بمبلغ مادي ونقدم لهن لقاءات تتنوع بين تربوي ومهاري وسلوكي، فريقي يتكون من ثلاث فتيات سعوديات نـحاول أن نضيء الأمل في قلوب هؤلاء الصغيرات.
تقول عائشة بتفاؤل كبير، أطمح أن يستمر المشروع ويكبر ليغطي كل الأماكن النائية وغير النائية في المملكة، وأن يجد التمويل الذي يستحق، ثم تبرر لي لماذا لأخبرها أن كل مشروعها مبرراته واضحة جدا، إنه التفكير المختلف والوعي العظيم والمبادرة التي تتمنى وأنت تسمعها لو لك نصيب منها وتفوز بالأجر والإنسانية.
إننا جميعا نستطيع أن نكون شركاء لعائشة ليس فقط بالتصفيق لها، بل مساعدتها في إيجاد ممولين مثل مؤسسة العيسى، بارك الله لهم في أموالهم، كما أن مشروع عائشة -كما تقول- لديه رسالة وتريده أن يلهم الآخرين ليصنعوا تجاربهم في خدمة هؤلاء الأيتام، والوقوف معهم حتى يصنعوا الفرق بعد أن يكبروا.
عائشة السفياني صانعة أمل حقيقية في الأمكنة التي لا يذكرها أحد ومع الأشخاص الذين لا يعرفهم أحد.