تابعت خلال أسبوعين متتالين ثلاثة مؤتمرات، كلها تصب في مصلحة مكافحة الإرهاب، وكانت توصياتها بالتأكيد الإصرار على مكافحة هذا العدو الذي اتفق الجميع على أن الإرهاب لا وطن له ولا زمان.
إذًا، مَن العدو في منظور صناع هذه المؤتمرات الثلاثة؟، وأولها المؤتمر العالمي الذي دعت إليه رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وحشدت له جهودا مكلفة وميزانية تلبي كل احتياجاتها، وحضر هذا اللقاء ما يربو على مئتي عالم ومفكر من كل أرجاء العالم، لصياغة توجّه واحد لمحاربة الفكر المتطرف، والبحث عن تحقيق الوسطية، وإبراز سماحة الإسلام، ودعوة الأقليات إلى توحيد هدفهم نحو أعداء الدين والملة، وإزاحة الستار عن بعض رجالات الفكر الذين لم ينطقوا بكلمة الصراحة، وإنما وقف بعضهم موقف الحياد أو الضبابية.
ولهذا جاءت دعوة الرابطة في كل لقاء يجتمع فيه علماء الأمة لمناقشة قضية تهم عالمنا الإسلامي، للوصول إلى رؤية مشتركة موحدة تجاه قضايا الأمة كلها، وهو جهد تشكر الرابطة على عقده.
أما المؤتمر الثاني، فهو مؤتمر وزراء الداخلية العرب، الذين عقدوا اجتماعهم الدوري في تونس للغرض ذاته، وهو مكافحة الإرهاب، وتعرية إيران أمام العالم، وأنها راعية الإرهاب، ثم خرجت بعض التوصيات التي تريد جمع صوت الأمة تجاه حرب شياطين الأرض ومجرمي المعلومات، وتجار المخدرات، على حد تعبير سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وهذا بالتأكيد أيضا يصب في تلك الرسالة نفسها التي حملتها قرارات رابطة العالم الإسلامي الذي عقد في رحاب مكة المكرمة، إلا أن هذا الأخير يختلف في أن صاحب القرار الأول هو من يعلن حربه على الإرهاب بكل عزيمة، ومع هذا تلمس بكل أسف نشازا وصوتا لتمييع بعض هذه القرارات وتنفيذها على أرض الواقع، لكن يد القوة وقيادة الكلمة تصر على إنفاذ مشروع مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وهو أمر يُسجل للمملكة العربية السعودية دوما في مواقفها الثابتة والمعلنة، أنه لا مكان للإرهاب في عالم اليوم، إذا صدقت النوايا من كل أطياف المجتمع الدولي، وهذا ما تصر عليه المملكة في جميع محافلها، ومن أعلى درجات السلطة فيها.
أما المؤتمر الثالث الذي عُقد خلال الأسبوعين الماضيين، هو ذلك المؤتمر والملتقى العلمي ودور الجامعات الإسلامية بالعالم في مكافحة الإرهاب، وأُعلنت خلاله عدة قرارات وتوصيات من منصة جامعة نايف العربية، وأهمها ضرورة قيام كل جامعة في العالم الإسلامي بدورها، وتحمل مسؤولياتها في توعية الجيل، وبيان خطر الإرهاب على أبناء العالم الإسلامي، وتعرية الفئة الضالة وكشف مخططاتها لإغراء النشء، وهذا ما حملته التوجهات التي حضرها مديرو الجامعات في الدول الإسلامية، فنحن أمام جهود حثيثة ومتعددة من كل جهة، تقوم بدور مهم في مكافحة هذا الداء الخطير على الأمة كلها.
لكنني أتساءل: لماذا لا تُوحّد الجهود بدلا من قيام كل جهة ببذل الميزانيات والدعوات وسكن الفنادق، ثم يعود هؤلاء إلى بلدانهم بحسن نية بعد طباعة القرارات وتوزيعها أحيانا في الجلسة الأخيرة لكل مؤتمر.
إنني أتطلع إلى توحيد الجهود ورسم خارطة موحدة تُعقد على مستوى العالم الإسلامي في القمة المرتقبة التي يحضرها زعماء الدول الإسلامية، حتى تخرج رؤية واحدة ومن مصدرية تُعالج القضية، مع الحرص على بيان الموقف الواحد.
أما أن تكون المؤتمرات في فترة واحدة، وبجهود أحادية، فأعتقد أنه جهد لن يؤتي ثمارا إلا إذا توحدت الجهود في وجه العدو، وهذا ما يحرص عليه قادة العالم الإسلامي في لقاءاتهم الدورية التي يعقد عليها الأمل الكبير في تحقيق هوية الأمة، والوقوف صفا واحدا لمكافحة الإرهاب، مع تقديري لكل جهد يُبذل في رغبة أكيدة لمكافحة الإرهاب الذي يتنقل كالسرطان، دون مراعاة لدين أو أمة أو جنسية بعينها.
حمى الله ديار الإسلام من كيد هؤلاء الفجرة، وكشف أباطيلهم وخزعبلاتهم.