أين كنت... بقيت أسأل نفسي للحظات وصغيرتي هند تدّعي علي أني لحظة ولادتها لم أكن موجودة لأدرك أنه أكذب ادعاء من الممكن أن تسمعه في حياتك كلها.
على كل حال إذا كنت مثلي ترغب في سماع شكواهم ضدك اليوم وليس غداً فستستمع للأعاجيب، لكنك ستكون مسروراً بتوضيح كل شيء قبل أن تصبح له آثار في أنفسهم غدا يكبرون به وفي أرواحهم شرخ قد لا يلتئم أبداً.
في سلسلة تعرضها نت فليكس بعنوان 13 سبباً لماذا يستمع الأبوان إلى معاناة ابنتهم الوحيدة أول مرة، ولكن بعد انتحارها والتي قامت بتسجيله في أشرطة كاسيت صغيرة ابتدأتها بعبارة هذه أنا وبلا إعادات، تقصد بها أن كل كلمة تقولها لن تتراجع عنها، ولن تمسحها ولن تهذبها.
واجهت هانا معاناة كبيرة في المدرسة من الصبية الذكور، فبسبب قيام أحد الطلاب بالتقاط صورة لها وهي تتزلج كشفت جزءا من جسدها قرر باقي الطلاب الادعاء أنها سمحت لهم بإقامة علاقة معهم، واحد فقط أحبته هانا لكن بقدر ما أحبها بقدر ما صدقهم في 13 شريطا تخلد هانا معاناتها التي لم تسأل عنها أمها رغم أنها كانت تسأل كل يوم عن دراستها، وهل تناولت وجبتها أو نظفت غرفتها.
هناك حالات انتحار للفتيات في السعودية قليلة، وأقل من المعدلات العالمية، وهو شيء جيد على الأقل، الحي تستطيع أن تأمل أن تجد طريقة للتفاهم معه وتعيده ليكون بالقرب، بينما المنتحر لن يترك لك سوى أثر تندم عنده على ما فوت، في الحقيقة أن الهاربة الأخيرة دينا حقق هروبها صدى كبيرا جداً، ونقاشا يشبه ما حققه غيرها، وهو كالعادة يدور حول دعوى أن هناك مؤامرة تقنع الفتيات بالهروب لخلق مثل هذه القصص، بينما كان الأجدر البحث عن سؤال ما الذي تظن الفتيات أنه موجود في البلاد الأخرى وليس موجودا في السعودية؟
هل تعرضن لأذى وتعنيف واكتشفن أن الهرب هو الطريقة الوحيدة للنجاة؟
هل هو الحاجة للاستقلالية التي اكتشفن أن فتيات يمارسنها في الغرب، فتيات سعوديات لسن غربيات أو عربيات كموديل روز ولم يقتلن، ولم يؤذين بينما هن عالقات مع أسر ممتدة، كل من فيها يتدخل في خياراتهن حتى في اختيار شريك حياتهن.
هل معاييرنا تصطدم مع قناعاتهن وهن تعبن من النفاق الاجتماعي حولهن؟
إن كل ما سبق لا يحتاج فقط إلى مؤتمرات تشرف عليها وزارة العمل والخدمة الاجتماعية والجامعات في السعودية، بل تحتاج إلى نقاش جاد بين الآباء وبناتهم بشكل شخصي، الجلوس مع الفتاة والحديث معها وتفهم حاجاتها بعيدا عن النفاق الاجتماعي ودعاوى العادات والتقاليد. إن الزمان الذي كان الأهل يفرضون رأيهم على أبنائهم قد ولى، وجاء زمن النقاش والاستماع والوصول إلى نقطة التقاء، ومن سيرفضه سيجد نفسه يناقش ابنته على تويتر لتعود إليه أو عبر وسطاء من الإعلام أو الحقوقيين.