منظومتان متتاليتان تعبران عن الشروع المتبصر في المقاربة والانفتاح على المتغير الثقافي، وذائقة الوعي الحسي والمعرفي، بما يليق بروح اللحظة والبناء الفكري المؤثر، والانتصار للمشهد الثقافي ومجتمع المعرفة، فنحن أمام منعطف تأريخي، يقودنا إلى اليقظة والاندفاع الحي، فـ«المجمع الملكي للفنون» كان هاجسا ظرفيا وبوحا لا يتوقف للأسرة الثقافية في بلادنا، والآن يتجسد كدعوة تاريخية للخروج من رتابة الأمس، والأحلام المؤجلة. المجمع سيمنح التجربة «الثقافية» بكل أوعيتها، مديات أوسع وغنى أكثر، وإفصاحا مشعا ومدهشا لما تختزنه الأرض وإنسانها من ترف الوعي الموروث، والتمايزات المتعالية، والبواعث العذبة، والنزوع نحو ملامسة فضاءات وأنساق ومعطيات ومقاصد تحت منظور «الأنا والآخر».
المجمع سيحل كما أعتقد فوضى الرتابة والبعثرة الذي عانت منه «فنوننا»، ليكون «الدال» لكل تلك المضامين والطرائق والطفرات والتدفقات، وليسلكها في منظومة ذاتية القوة سعيا لصونها وتعميق حضورها في الأفق المعاصر، انسجاما وتناغما مع ما يحققه الوطن «السعودي» الكبير من سيادة عربية وإسلامية وعالمية، وبكل تأكيد سيردم المجمع تلك النتوءات الدفينة، التي عانى منها المثقف والفنان، وسيجعل كل هؤلاء الرموز والمبدعين، همه وجوهر وجوده.
علينا أن نأخذ بتجارب الشعوب من حيث الآلية ومن باب التأثير والتأثر الإيجابي، ولنبدأ من حيث انتهى الآخرون بكل مكتسبات العصر، دون الإحساس بشعور الارتكاس تحت مطارق التصورات العاجزة والاستيهامية، فالثقافة حفر معرفي واستقراء كوني وتمثل حضاري، وعملية اتصالية، وانفتاح الذات على الآخر، دون تهشيم لخصوصيتك، أو طمر لثقافتك التاريخية والاجتماعية والروحية، أما «الهيئة العامة للثقافة» فرسالتها المأمولة، تجسير الهوة بين شتات الثقافة، والنهوض بها، لما لها من قدرة ومرونة على تفعيل دورها وتشوفاتها، وتطوير أساليب الوعي، وتعديل المفاهيم المغلوطة، التي أصابت منجزنا الإبداعي في لحظة عابرة، نظرا للتشعبات والاشتغالات والحواضن المتنافرة والملتبسة، التي كانت تتموضع داخل خطابنا المعرفي، مما أنتج تشظيا وتثاقفا مفتتا وموزعا على جزر وأطياف، يفترض ويستوجب انتظامها في سلة واحدة ومحدد واحد، فكلما انطلقت الثقافة من تفكير منهجي متسق مع ذاته «عمقا وفعالية»، توسعت الحقول، وتمددت التخوم، وتعزز السلوك الإيجابي اللائق، وترسخت المحمودات والمعطيات والمعالجات المحققة للمعافاة الثقافية المستقبلية، والتناقح المقتدر، وترويج المعرفة، والاستقطاب المنشود، والتأصيل المتعاظم، والرؤية اللافتة.