وفق الله الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، للقيام بدعوة إصلاحية عظيمة أعادت للناس في الجزيرة العربية صفاء الدين الخالص ونفوذه وقوته، أمضى حياته كلها في الدعوة إلى التوحيد، الذي هو دعوة الرسل جميعا، وقد جرت سنة الله أنه ما دعا أحدٌ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عودي وأوذي، ولذلك عُودي الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأُوذي من أعداء التوحيد، الذين رأوا أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له، صرفٌ للناس عن التبرك بهم، وتحذيرٌ من اتخاذ الصالحين من أهل القبور شفعاء يقربونهم إلى الله زلفى كما يزعمون، وبيان لحقيقة من يدَّعون أن النبي عليه الصلاة والسلام يحضر مجالسهم، ويؤيدهم على شطحاتهم، فأضلوا بسبب ذلك أتباعهم في هذه الدنيا، ويوم القيامة يقول الأتباع: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) وقد سُرَّ بدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى التوحيد أقوامٌ أراد الله بهم خيرا، وضُرَّ بها آخرون من دعاة الوهم والخرافة، الذين يعلمون أن الناس إذا تعلقوا بالله وحده، وسألوه حاجاتهم مباشرة، لم يعد لدكاكين الارتزاق التي يُتَشَفَع بأصحابها معنى، فالله قريب يجيب دعوة الداعي بلا وسائط، كما قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، ولذا ناصبوه العداء، وافتروا عليه الكذب، وأحدثوا ألقابا يرونها منفِّرة عن دعوته إلى التوحيد، كما هو دأب أهل الأهواء، الذين إذا عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة، لجؤوا إلى السب والاتهام والتشويه، وكان جواب الشيخ محمد عن تلك الأكاذيب والافتراءات هو قوله: (سبحانك هذا بهتان عظيم)، وقال رحمه الله؛ «نسبوا إلينا أنواع المفتريات، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، فمنها إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلا عن أن يفتريه»، وإمعانا في الصد عن دعوة التوحيد، وصفوا دعوته بـ(الوهابية) لا للتعريف، وإنما لِلَّمْز، ولتلتبس مع فرقة الوهابية الخوارج، أتباع عبدالوهاب بن رستم التي كانت في أواخر القرن الثاني الهجري، وقد راج هذا التلبيس والافتراء على بعض الناس، ولم يتفطَّنوا أن بين الوهابية، وبين دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب عشرة قرون، ولكن الزبد يذهب جُفَاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، لقد عرف العقلاء الحقيقة، وتبيَّن لهم كذب مروجو هذه الافتراءات، لاسيما كذبهم على الشيخ بأنه يكفِّر المسلمين، وحاشاه من ذلك، وإنما الذين افتروا هذه الأكذوبة، هم الذين يكفِّرون خير الناس، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفعلون ذلك ليهدموا الدين، لأن الطعن في الصحابة وتكفيرهم، طعن فيما يحملونه من الشريعة، وإذا كان هذا موقفهم من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يستغرب منهم الكذب على الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومعاداته، فإنهم لم يعادوه لشخصه ولا لأسرته، وإنما لكونه دعا إلى التوحيد الخالص، وكل منصف يقرأ كتاب التوحيد للإمام محمد يجده كله آيات وأحاديث، فأي تكفيرٍ يتحدث عنه المفترون؟! وهكذا سائر كتبه، فإن قيل ما جُمع من رسائله بما سُمي (الرسائل الشخصية) فيه عبارات تكفير، فالجواب: أن من أراد أن يعرف منهج العالم فليقرأ كتبه التي حررها لإفادة الناس، فهي المُحَكَمَة، وليرد المتشابه إليها، أما الرسائل والردود، فهي إجابات على أسئلة لم نطَّلِع عليها، وحُكْمٌ على وقائع لم نشاهدها، ومعلوم أن جواب الشيخ يكون على قدر السؤال، وحسب واقع الحال المسؤول عنه آنذاك، فما الإشكال في ذلك؟! والتكفير حكم شرعي يطلق على من أشرك في عبادة الله، ومع هذا فالإمام محمد بن عبدالوهاب من أكثر الناس تحرزا في مسائل التكفير، فلا يكفر إلا بالمتفق عليه وهو التوحيد، دون المختلف فيه، وقد نقلت نصوص أقواله في كتابي: (منهج الإمام محمد بن عبدالوهاب في مسألة التكفير)، وأجبتُ عن الشبهات التي اختلقها أهل الأهواء، فإن قيل هناك من ينتسب إلى دعوة الشيخ ممن جاء بعده عنده أخطاء أو غلو في التكفير، فالجواب -إن صح ذلك- لا يجوز أن ينسب خطأ غيره له، ولهذا لم يُنسَب خطأ خالد بن الوليد رضي الله عنه في قتل بني جذيمة لغيره، ولا يصح أن يُنسب خطأ الخوارج الأولين، لكتاب الله لكونه عندهم ويقرؤنه، كما أن خوارج زماننا وقرامطتهم، من أدوات النظام الإيراني كداعش والقاعدة لا يصح أن يُنسبوا إلى الإمام محمد لكون كتبه عندهم، فالخلل في فهمهم السقيم، لا في كتب الشيخ، ولا ريب أن أعداء التوحيد يفرحون بوجود كتب الشيخ مع الخوارج، ليجمعوا بين السيئتين: الاعتداء على بلد التوحيد (السعودية)، والطعن في كتب التوحيد، هكذا يخططون، والقطيع ينفِّذون، ولكنهم -كما جاء في الحديث- مقطوعون، ونظرا لأن من أنفع كتب الشيخ كتاب (التوحيد) الذي يجب أن يُدرس أولا، فإن كتاب (كشف الشبهات) من أهم الكتب التي ينبغي دراسته بعد كتاب التوحيد، فهو كتاب قلَّ حجمه، وكثرت فوائده وفيه من فرائد الفوائد ما لا يخفى.