بين الحين والآخر يجد الكاتب نفسه ميّالة للتحليق بعيدا عن الحديث في الشأن العام, ولا أحسب أن هنالك موضوعا أكثر متعة للقارئ من قراءة الطرائف والعجائب, أقصد الحقيقية منها، وليس تلك التي نواجهها بحياتنا اليومية, أما الكاتب فإنه يجد بذلك فرصة كي يذيب بعض توجسات الرقيب تجاه ما يكتب, أما سبب اختيار القضاة فهو حبي للإمام الشعبي، رحمه الله, الذي ما أن تقرأ طرائفه حتى تجزم بأنه كان (عادل كلباني ذلك الزمن), ولو كان الشعبي حيّا الآن لما اعترفت بمحبتي له وهو القائل: «خير خصلة في الكلب أنه لا ينافق في محبته», مع يقيني أنه لو عاش في وقتنا هذا لغيّر رأيه, فكل الكلاب المعاصرة أصبحت (ذويبان) وتركت خصال أجدادها الأوائل!
من طرائف القضاة أن المأمون سأل رجلا من أهل حمص عن قاضيهم, فقال: يا أمير المؤمنين إن قاضينا لا يفهم, وإن فهم وهم! فقال له المأمون وكيف ذلك؟ قال: قدم إليه رجل مدعيا أن له أربعة وعشرين درهما عند شخص آخر كان بصحبته، فأقر له الآخر, فقال أعطه حقه, قال: أصلح الله القاضي إن لي حمارا أكتسب عليه كل يوم أربعة دراهم، أنفق على الحمار درهما، وعليّ درهما، وأدفع له درهمين حتى إذا اجتمع ماله غاب عني فلم أره فأنفقها، وأرى أن يحبسه القاضي 12 يوما حتى أجمع له ماله, وأعرف مكانه، فحبس القاضي صاحب الحق حتى يجمع له الداعي عليه، فضحك المأمون, وعزل القاضي!
أما إمامنا الشعبي، رحمه الله، فقد تورط بشخص يبدو أنه قادم من زمننا, أولئك الذين يتصلون ببرامج الفتاوى عندما يقتلهم الملل والفراغ لتأتي أسئلتهم على هيئة سؤال هذا الشخص الذي سأل الإمام الشعبي عن كيفية مسح اللحية في الوضوء, فقال له الشعبي: خللها بأصابعك, لكن الرجل كرر سؤاله: أخاف أن لا تبتل إذا خللتها يا شيخ, فقال له: إذن انقعها من أول الليل!
ومن طرائفه (الصورة الذهنية عنه أنه لم يكن متجهما ويرد السلام في مكتبه) حضر عنده رجل بخيل وسأله: ما كفّارة من صلّى العيد ولم يشترِ لأهله حلوى؟ فأجابه: يتصدق بدرهمين, فخرج الرجل, لكن عيون الحاضرين بقيت معلّقة في الشعبي الذي برر ذلك بقوله: لا بأس أن نُفرح المساكين بدراهم هذا الأحمق!
ومن مواقفه مع (المتصلين) الحمقى عندما سأله أحدهم: ما تقول في شخص شتمني في نهار رمضان، هل يؤجر؟
قال : إن قال لك يا أحمق فيؤجر!
بقي أن نقول على طريقة الروائيين: إن أي تشابه بين هذه القصص وبين الواقع يعتبر مجرد مصادفة, مع عدم ثقتنا بنيّة الكاتب, فالنوايا علمها عند الله.