ثمة أنماط للهجرات البشرية منها: الهجرات المؤقتة لأفراد أو جماعات، والهجرات الإجبارية الناتجة عن حالات انعدام إرادة المهاجرين في تقرير البقاء في الموطن الأصلي, وأسبابها: انعدام القدرة على التعامل مع القوى الطبيعية أو الحروب أو عوامل سياسية واقتصادية. أما الهجرات الاستيطانية فيكون هدفها الرئيس تغيير الموطن الأصلي والاستقرار بشكل دائم نسبيا في موطن آخر جديد. ويقوم بهذا النمط من الهجرة أفراد أو جماعات بشكل إجباري أو اختياري, وهذا ما تعبر عنه الهجرات اليهودية إلى فلسطين منذ العام 1882 وحتى وقتنا الراهن.
ومقارنة بما سبق من أنماط الهجرات البشرية، ثمة خصوصية لموجة الهجرة السورية الكبرى الراهنة التي توضع في منزلة «النكبة». ورغم اعتبار كثر من السوريين أن شعار «الشعب السوري واحد» أمرا بديهيا وسلاحا في مواجهة محاولات تفتيت الوحدة الوطنية السورية عبر إثارة مسألة الأقليات والطوائف والمذاهب واختزالها في ثنائية أغلبية وأقلية. إلا أن الصراع في سورية وعليها، كما كان حال الصراع في فلسطين وعليها، خلف كارثة بشرية اجتماعية، ففضلا عن مئات آلاف القتلى والجرحى والمعوقين والمعتقلين والمفقودين، كانت هناك موجات الترانسفير القسري والإرادي والمُعلن والخفي التي أنتجت تصنيفات جديدة للسوريين، منها: اللاجئون والنازحون «الجدد» والمهجرون والمغتربون والغرباء.
واستقبلت دول كثيرة مئات آلاف السوريين في مشروع إعادة التوطين أو منح أهلية الدخول. وناشدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، المجتمع الدولي ضرورة إيجاد حلول للاجئين السوريين، في مسعى إلى إعادة توطينهم وجمع شمل الأسر.
وركزت دراسات مراكز البحوث الغربية، على الأردن بالذات، ليكون أنموذجا «لتوطين» السوريين (نحو 700 ألف لاجئ)، باعتبار أنه نجح في توطين واستيعاب مليوني فلسطيني منذ عامي النكبة والنكسة (1948 - 1967).
وبطبيعة الحال، ونتيجة لعمق وتعقيدات الصراع في وعلى سورية ثمة فرق كبير بين تخفيف شروط القبول ودخول اللاجئين السوريين إلى الدول المضيفة من جهة، ومسألة التوطين أو إعادة توطين اللاجئين السوريين في دول العالم وعلى نحو خاص في دول الجوار السوري من جهة ثانية. حيث سيكون هناك حساسية سياسية كبيرة لأي عملية توطين قد تخل بالتوازنات الاجتماعية في المحيط الإقليمي لسورية.
ويحمل مصطلح التوطين أبعادا ومخاوف سياسية واجتماعية ونفسية مستمدة من النموذج الفلسطيني لعملية الترانسفير والنكبة، حيث طرح مصطلحا الوطن البديل والتوطين على أجندة حل القضية الفلسطينية مما أثار مخاوف الدول العربية المُضيفة وفي مقدمها: الأردن ولبنان.
وتزداد حساسية المصطلحين آنفي الذكر في النموذج السوري في ظل الترويج لمخططات تقسيم سورية وتغيير الخرائط السياسية والدينية والمذهبية والطائفية والإثنية للشرق الأوسط برمته.
ويقيم في تركيا نحو 2.7 مليون سوري، يطلق عليهم اسم «لاجئين» مجازا، لأن قوانين تركيا لا تسمح بتصنيفهم كلاجئين، وفق الاتفاقية التي وقعتها مع الأمم المتحدة عام 1951، حيث استحدثت الحكومة التركية قانون «الحماية الموقتة»، التي تتضمن الإقامة غير المحدودة والحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال، ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية. وحتى اليوم، يتم تقديم المساعدات للسوريين في شكل منتظم داخل المخيمات. أما بالنسبة لمن هم خارج المخيمات، فتقدم المساعدة على أُسس خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، والتي فتحت أمام جميع السوريين في تركيا. ويشمل نظام الحماية الموقتة جميع اللاجئين، بمن فيهم أولئك الذين لا يملكون وثائق تعريف شخصية (هوية، جواز سفر). كما يشمل أيضا الفلسطينيين الأشخاص من دون جنسية القادمين من سورية.
ويبدو، على سبيل المثال، السؤال التالي: هل يصبح اللاجئون السوريون مواطنين أتراكا وعلى نحو خاص في الجنوب التركي المعروف بغالبيته العربية؟ سؤال مشروع، حاول الإجابة عنه الباحث سونير تشاغباتاي في دراسة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. حيث ذكر أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا يظل قليلا مقارنة مع عدد سكان تركيا البالغ 80 مليون نسمة، مقارنة بدول أخرى مثل: الأردن ولبنان. كما أن سكان المناطق الجنوبية التي يتمركز فيها اللاجئون السوريون ليسوا هامشيين أو مركزيين لعدد سكان تركيا، فالكثافة السكانية في هذه المناطق لا تتعدى نحو 7.9 بالمئة من عدد سكان تركيا. ويوجد في هاتاي، غازي عينتاب، سانلي أورفا، كلس وماردين 440 ألف سوري. فيما استقبلت مناطق أخرى أعدادا أقل من المناطق الأولى. مثل: كهرمانماراس وأضنة واديامان وعصمانية وملاطيا.
وتتعلق الآثار الاجتماعية التي تتركها هجرة السوريين على المحافظات الجنوبية التركية بالتكوين السكاني، فنسبة العرب ارتفعت بشكل نسبي لدرجة قد تجعل الجنوب أول إقليم تركي غالبيته من العرب.
ورغم أن الإحصاء التركي لا يتحدث عن إثنية المواطن التركي، إلا أن تعريفه للعربي هو من كانت أمه عربية. ويشير إحصاء عام 1960 إلى أن نسبة العرب كانت تمثل 1.24% من سكان تركيا. ويتمركزون في محافظات «إسكندرون» هاتاي وماردين. ولم يتغير الوضع كثيرا حسب إحصاء 2007، مع ارتفاع طفيف في التمثيل في المحافظات ذات الكثافة العربية، مثل ماردين.
الجدير ذكره، أن أوجه القصور في آليات تخطيط مشروعات إعادة التوطين والانتقال القسرية وإعدادها وتنفيذها تمخضت عن إخفاقات أكثر بكثير مما حققته من نجاحات.
وثمة تفسيران واسعان وراء عدم نجاح برامج إعادة التوطين حتى الآن. ويكمن السبب الأول في نقص المُدخلات المناسبة، مثل: الأطر والسياسات القانونية، والتمويل، والعناية أثناء التنفيذ. ويعود السبب الثاني لحقيقة أن عملية إعادة التوطين تنشأ من تفاعل معقد بين عوامل ثقافية واجتماعية وبيئية واقتصادية ومؤسسية وسياسية كثيرة على نحو يصعب توقعه ويعيق إمكانية وضع منهجية تخطيط مناسبة وفعّالة.
وجرت العادة أن يعود المُعاد توطينهم في أعقاب الكوارث إلى مواقع منازلهم السابقة بسبب مجموعة واسعة من الدوافع البيئية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ويرجع جزء من اللوم على هذه الإخفاقات إلى سوء تصميم مشروع إعادة التوطين نفسه. أما المُعاد توطينهم في أعقاب كوارث سياسية وحملات تطهير عرقي وطائفي فتوضع العقبات أمام عودتهم، وتحويلهم إلى جماعات وظيفية تلبي متطلبات الوطن الجديد الذي لا يعتبر أفراد تلك الجماعات مواطنين من الدرجة الأولى.