كتابة الخبر الصحفي فنٌ لا يقل قيمة عن المقال أو القصة القصيرة أو النص الشعري الجميل!

أعتب على بعض الزملاء الصحفيين في طريقة كتابة الأخبار، أجد بعضها قد ارتهن لمصطلحات قديمة، أو لعبارات اعتادت الصحافة على اعتمادها وتكرارها حتى باتت ممجوجة عصية على الهضم. أحياناً أقرأ خبراً جميلاً ضم تفاصيل ممتازة ثم تفاجئني العبارات المكررة، مثل: "ثم وُدّع بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم"! هذه الجملة من مأثورات وكالة الأنباء السعودية، منذ أكثر من ثلاثين عاماً. بعض الصحفيين انتقلت إليهم عدوى هذه العبارة، ربما للدلالة على أصالة انتمائهم للإعلام السعودي الرسمي! فهل يظن عاقل أن مسؤولاً سيترك الحفل بلا وداع، أو سيودع بلا حفاوة وتكريم! غير بعيد عن تلك العبارة قولهم: "وبحثا الأمور ذات الاهتمام المشترك"، فهل يمكن لهما مثلاً أن يبحثا اموراً لا يهتمان بها؟!

كنتُ اقرأ ملخصاً لمحاضرة ألقيت في إحدى الجامعات حول التراث والنص والفكر الإسلامي، لم يأل الصحفي جهداً في تلخيص المحاضرة بشكل جيد، لكنه في آخر الخبر وقع في حفرة التكرار حين قال: "ثم تناول الجميع طعام العشاء"! ماذا يعنيني أنا كقارئ لملخص المحاضرة أن الحضور تناولوا العشاء، فهل سيبيتون على لحم بطونهم؟!وماذا يعنيني إذا كان الجميع قد حضر العشاء أم خرج بعضهم قبل وضع الوليمة؟ هذه عبارة واحدة من بين عشرات الجمل التي يكررها زملائي من دون إدراك لضروررة التجديد في استخدام المفردات والكلمات.

بعض الصحفيين ينقل على لسانك ما لم تقل، وهذا حدث معي مراراً في محاضرات ألقيتُها، أفاجأ في اليوم الثاني أن الصحافة كتبت على لساني تصريحات كثيرة لم أتفوّه بها، والأكثر إشكالاً أن الصحفي يستند على فهمه هو وذاكرته هو، بحيث يحضر المحاضرة ليلاً ثم ينام وفي الصباح يستعيد من ذاكرته هو من دون أوراق أو كتابات ناهيك عن تسجيلات، ويبدأ بمزج ما قلت وما فكّر هو به، بما لم أقله، مضيفاً لذلك ما حلم هو به في نومه، ثم ينزل الخبر الطويل العريض الذي ضمّ الكثير مما لم أقل والقليل مما قلت!

قال أبو عبدالله غفر الله له: كذلك هو حال العناوين، أحياناً خبر قصير عنوانه يتجاوز الخمس كلمات، ولا تسأل عن أسئلة الحوارات التي تبدأ بـ"كيف تقيم تجربة الإعلام العربي في ظلّ العولمة"؟ وتنتهي بـ:"في ظل انتشار البطالة هل يمكن للسوسيولوجيا أن تحقق ما عجزت عنه الأبستمولوجيا؟"

أسئلة كبيرة طويلة عريضة ليست من اختصاصي لو عُرضت على عمر لجمع لها أهل بدر، ومع ذلك أتلقى العشرات منها أسبوعياً!

ملاحظات صغيرة أتمنى أن تجد آذاناً مصغية وأقلاماً سائلة!