في نقاش مع أحد الكتاب السعوديين حول قضية ما. أعجبني رأيه في مشروع ما، تقوم به وزارة ما، فقلت له لماذا لا تنشر رأيك القيم هذا في مقال؟ فقال بسرعة «لا ما بي أخربها مع الوزير»، أعترف أني اكتشفت قدرتي تلك اللحظة على كبح جماح رغبتي في الضحك، وبادرت بجدية تامة بتشجيعه على الصمت حتى يحقق أكبر قدر من المكاسب، لأن الوزراء في السعودية لا يعتزمون البقاء طويلاً، في الحقيقة أنه لمس نبرة التهكم في حديثي وغادر النقاش غير مأسوف عليه.
هذه العقول المتطرفة في براجماتيتها تثير الحزن، خاصة إذا ملكت منبرا تتحدث منه إلى الناس، لكن هذا الحزن عليهم يبدده وجود رجال شجعان هم بأنفسهم منابر لا تبادر إلى أعمالها بغية منفعة، ولا تصمت لأجل حاجة، لذا يكسبون كل ما نملك وهو احترامنا ومحبتنا.
أهم هذه النماذج في نظري هو الدكتور موافق الرويلي ومشروعه المعروف للجميع «هلكوني».
في لقاء مع الدكتور موافق مع العزيز سلمان الهتلان قال إنه سمع بقضية الشهادات المزورة في الجلسة الثانية له بمجلس الشورى، فقرر بفعله أن تصير قضيته ليبقى في مكتبه حتى السابعة ليلا ويعود إلى منزله ليواصل البحث ليكتشف عالما من الغش والنصب طال مئات الأسماء وعشرات الشخصيات المعروفة، بعضها في موقع القرار، لكن ذلك لم يثن الدكتور موافق عن مواصلة عمله الذي هدف منه إلى خلق ثقافة مجتمعية ترفض الشهادات الوهمية والمزورة بعد أن أصبحت موضة سعودية بامتياز جعلتنا نحتل المرتبة الثانية في رقم الحاصلين على الشهادات المزورة وطالبيها.
في الحقيقة أن مبادرة الدكتور موافق أنقذت البلاد الخليجية ليس فقط من تنامي هذه الظاهرة، بل فساد كل شيء في بلادنا بعد أن يستولي أصحاب المهارات والمعرفة الوهمية على مناصب القرار والتغيير لتنتشر بعده روح اليأس في نفوس الكفاءات والمجتهدين، وهذه النقطة بالذات جعلت كل من تعب في دراسته العليا يثمن للدكتور موافق جهوده، فليس هناك أسوأ من أن تجد من لم يجاهد الكتب والأبحاث وسهر الليل والساعات الطويلة في أروقة المكتبات مساويا لك، بل محتلا مكانك بورقة مزورة تلقاها مرتاحا في صالون بيته.
على المستوى الشخصي تلهمني كثيرا تجربة الدكتور موافق، فرغم كل ما يتعرض له من تهديد بقضايا يدعي أصحابها أنه شهر بهم، وشتائم في مواقع التواصل توجه له من هؤلاء المدعين، إلا أنه مستمر في مبادرته يخرج كل فترة بكشف جديد جعل كل من تحدثه نفسه بالنصب علينا، خاصة في مجال التدريب، يفكر عشرات المرات في اسم موافق الرويلي ووسم هلكوني.
إن موافق واحد أحدث كل هذا، فما بالك لو قام كل سعودي بالالتزام بقضية معينة أو ظاهرة سيئة وحاربها بكل هذا الصبر والثبات دون تطلع إلى مكاسب مادية أو معنوية، عندها -لا شك- ستتخلص بلادنا، بل حتى البلاد العربية، من كل ظواهرها السلبية ونحقق ما نتطلع إليه من تقدم.