إيران ليست وحدها، هذا رأي مستقر لدي منذ زمن ليس بالقصير، كما أنها لا تعمل لمصلحة نفسها ولا شعبها؛ هذه أيضا حقيقة يُصدِّقُها الوضع الراهن في إيران؛ إن من وراء إيران وهو المحرك لها في كل نشاطاتها الدولية، وهو كذلك من تعمل إيران لمصلحته، إنما هو الصهيونية العالمية والتي تسعى للانفراد بهيمنة خاصة على العالم الإسلامي، وهي هيمنة لن تستطيع الصهيونية بوجهها السافر الوصول إليها بين مليار ونصف المليار من المسلمين، لكنها حين تلبس قناعا صفويا يُردد شعارات إسلامية ويستغل في دعايته هموم المسلمين وما يحل بهم من نكبات. وما يعانونه من أمراض الجهل والفقر، ستكون فرصتها بالنفاذ إلى أعماقهم أكبر بكثير.

لذلك نجد المشروع الصهيوصفوي حاضرا في كل بلاد المسلمين في آسيا وإفريقيا وأوروبا، بل في بلاد الأقليات الإسلامية، كروسيا وأميركا الجنوبية، بطاقة حيوية ومالية أكبر بكثير مما تستطيعه إيران وحدها.

أكتب هذه الكلمات وأنا في شرق آسيا أشاهد بأم عيني وأسمع بالسند المتصل نشاطات الأذرعة الإيرانية في إندونيسيا وكمبوديا وتايلاند والفلبين ولاوس وسنغافورة، بشكل دؤوب صبور لا كلل فيه ولا ملل، لدرجة أنهم لم ييأسوا من النشاط ولو بأقنعة مزيفة في بلاد تم طردهم منها كماليزيا، وبروناي، وجزر المالديف.

لكن الجديد في الأمر والذي أجزم أن القارئ الكريم سوف يُسَرُّ به هو تلك اليقظة العلمائية والشعبية الظاهرة في مناهضة الكثيرين من علماء ودعاة ومثقفي دول مجموعة الآسيان لهذا المشروع، والمتمثلة في عقدهم مؤتمرا في مدينة بوجور في إندونيسيا للإعراب عن توجههم ونظرتهم لهذا المشروع، وهو مؤتمر حاشد حضره أكثر من 200 من قادة الجمعيات والمؤسسات والمدارس الدينية في إندونيسيا وفي سائر دول الآسيان.

وقد حضرت هذا المؤتمر وأسعدتني نتائجه كثيرا، كما أسعدتني مخرجات ورش العمل المصاحبة له، والتي يُمكن القول بأنها قواعد مهمة أتمنى أن تظهر في تلك البلاد على شكل مشاريع عملية تقف في وجه هذا المشروع الذي ولا شك لا يريد بالأمة إلا شرا.

 وسوف أورد فيما يلي شيئا مما أنتجته أوراق العمل والجلسات المتخصصة:

«المنهج الوسطي هو الإسلام الحق الذي يلزم المسلمين اتباعه وعدم الحيدة عنه كما قال تعالى: ?وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّة وَسَطا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدا? [البقرة: 143] )ولا وسطية إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ونهج صحابته الكرام، قال تعالى: ?قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ? [آل عمران: 31]»

«ويحرم أن يصل الاختلاف بين الأمة إلى حد الشقاق والتباغض والتنازع المفضي إلى الفشل ?وَأَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ? [الأنفال: 46] ما داموا يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان ومرجعية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعظمون آله وصحابته وأزواجه وكلهم ورد الكتاب والسنة بتزكيتهم والثناء عليهم واختارهم لصحبة رسوله ونصرته ونَشَر الله بهم الإسلام في الآفاق وحفظ بهم الدين والعلم».

«الحذر من مناهج الغلو ومنها الغِل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات المفضي إلى تكذيب القرآن الذي نصت آياته على تحريم ذلك ?وَالَّذينَ جاءوا مِن بَعدِهِم يَقولونَ رَبَّنَا اغفِر لَنا وَلِإِخوانِنَا الَّذينَ سَبَقونا بِالإيمانِ وَلا تَجعَل في قُلوبِنا غِلّا لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا إِنَّكَ رَءوفٌ رَحيمٌ? [الحشر: 10]»

«وجوب التصدي لما يقوم به النظام الإيراني من العمل على نشر عقيدة البغضاء والكراهية لصحابة رسول الله وأزواجه والطعن في القرآن وزعم العصمة لغير الأنبياء من آله الطيبين ليس من الإسلام في شيء».

«يوصي المجتمعون الدول والشعوب الإسلامية بالحذر من تغلغل الدعوة إلى مذاهب الغلو والتطرف والتكفير، سواء أكان إرهاب تنظيم كداعش والقاعدة وما يسمى بحزب الله والميليشيات الطائفية، أم إرهاب دولة كالنظام الإيراني».

«إن دعاة الطائفية والعاملين على نشر المنهج الصفوي يتبعون من أجل النفوذ في البلدان المستهدفة طُرقَاُ ميكافيلية كالرشوة وشراء الولاءات والكذب واستئجار العصابات الإجرامية وتهريب المخدرات والسلاح بل وصناعة جماعات إرهابية لإحداث انقسام في المجتمع وتشويه المجتمع السني وضربه بتهمة الإرهاب».

«كما يعمد هؤلاء أيضا إلى العمل ومحاولة النفوذ والسيطرة من خلال مؤسسات المجتمع المدني والعمل الخيري والحركات الطلابية والبرلمانيين من أجل نشر فكرهم المتطرف بين الشباب، كما يسعون لاستغلال الفقر في الكثير من المجتمعات للإغراء بالمال لنشر أفكارهم المتطرفة بين فئات الفقراء».

«كما يسعون لاستثمار الجهل بالعقيدة والدين لإقناع الفئات المستهدفة بأن ما يدعون إليه هو الإسلام، ويعملون على تشويه التاريخ الإسلامي، لاسيما عصر الصحابة والقرون المفضلة، وعزل الشباب عن أمجاد أمتهم، بل وزرع الكراهية للشخصيات العظيمة في تاريخ الأمة، من خلال تصويرهم أعداء لآل البيت ومغتصبين لحقوقهم ولم يتركوا شخصية واحدة لها أثر في التاريخ الإسلامي إلا وطالها تشويههم، بدءا بالصحابة وحتى مطلع العصر الحديث».

«دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تأت بجديد ولا بما يخالف مذاهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وليست محاربة الطائفيين لهذه الدعوة ومحاولة تشويهها إلا للتفريق بين أهل السنة وضرب كل من يقف في طريق تآمرهم بتهمة الإرهاب والتطرف والوهابية بزعمهم».

«لكل ذلك ينبغي تحصين المجتمعات المسلمة في الدول الإسلامية من خطورة المشروع الإيراني العقدية والأمنية والسياسية وإدراج خطورته ضمن المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعات».

«على علماء المسلمين والفاعلين في النشاط الدعوي وقادة الجمعيات والمنظمات الشرعية والخيرية في البلاد الإسلامية ودول الآسيان بشكل خاص التواصل مع رجال الإعلام والبرلمانيين والساسة والاقتصاديين من أجل بيان خطورة المشروع الإيراني».

«الحيلولة بين أذرعة النظام الإيراني في دول الآسيان وبين النجاح في تكوين أقليات ذات ولاء صفوي عقديا كان أم سياسيا، والحيلولة بين الأقليات الصفوية التي نجحت الأذرعة الإيرانية في إيجادها وبين نجاحها في الوصول إلى التأثير على القرار في البلاد بشتى الوسائل القانونية والسلمية التي تقررها الكفاءات الفاعلة في العمل الإسلامي».

«العمل على التواصل بين جميع فئات أهل السنة داخل إندونيسيا ودول الآسيان وجمع كلمتهم وتوحيد رؤيتهم وأهدافهم وتفويت أي فرصة على من يريد استغلال اختلافاتهم لتمزيقهم أو رميهم بالإرهاب والداعشية».

«العمل العلمي البحثي والإعلامي على نشر الصورة الصحيحة للتاريخ الإسلامي وتاريخ الصحابة وآل البيت بشكل أخص ورد ما يفتريه دعاة التشيع من أباطيل حول التاريخ الإسلامي».

«التأكيد على أن تاريخ أهل السنة والجماعة هو العمق التاريخي المنطقي لأبناء دول الآسيان، وأنهم جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية الممتدة من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا».

«ربط الشعوب المسلمة في دول الآسيان بكاتبها الخالد القرآن الكريم، وذلك عبر نشر تلاواته المختلفة وتفسيره وترجمة معانيه فإن ارتباط الأمة بكتاب ربها أعظم حافظ لدينها بعد حفظ الله تعالى لها».

«العمل على ربط الناس بأهل العلم العاملين من أهل السنة والجماعة».

وهذه المعاني التي أوردها المشاركون، وصادق عليها جميع الحاضرين تستوجب منا التحية لهذا المؤتمر والمشاركين والحاضرين فيه.

وليس غريبا أن يأتي المؤتمر وسطا بين أعمال تاريخية تقوم بها المملكة العربية السعودية، أولها زيارة الملك سلمان، حفظه الله، لعدد من دول الآسيان أبرزها إندونيسيا، وسوف يتلوها زيارات لعدد من المسؤولين إلى هناك تحمل الخير لبلادنا وبلادهم وللأمة الإسلامية جمعاء.