عند قراءتك لرواية ما، تتحدد فكرتك عن مكنونها من الصفحات العشر الأولى، ويتشكل رأيك عنها في الصفحات الخمسين الأولى، ثم بعدها تقرر هل تسير معه حتى النهاية أم تنعطف من بداية الطريق وتبحث عن عمل آخر تقرؤه. وبين هذا وذاك فإن الروائي المتمكن القوي لغة وفكرة وسردا وعاطفة هو الذي يفرض عليك نفسه، ويجعلك تترقب جديده.

الروائي القادر جدا لا يمكن أن تغادر أعماله ذاكرتك، بل تلتصق بها مهما قرأت بعدها وتبقى هي المتصدرة.

 هذا الروائي هو الذي ينجح في غرس رهبة في نفسك من عمله، كيف تعود له في اليوم التالي وأنت تحمل هم ما يواجهك من الألم والوجع لتضيفه على ما كان في الليلة السابقة؟

وهو الذي يجعلك تبقى واجما حزينا تشعر بأنك للتو خرجت من سرداب عزاء أو عدت من تشييع جنازة قريب أو وقفت في محطات المغادرة تودع حبيبا يغادر إلى المنفى.. الروائي المختلف هو ذاك الذي يقلب ليلك إلى سلسلة من الكوابيس..يجعلك تقفز من مضجعك تزيح روايته عن عينك، تحشرها بين الروايات البليدة في قاع صندوق يحوي بعض خطايا الروائيين وعثراتهم الأولى..هو القادر على أن يبعث في صدرك الآهات، ويجعلك تتوسل بصيص الفرح والأمل بين السطور يخفي ملامح ابتسامتك تارة، ويعيدها أخرى، يجعلك تزهد في كل ما حولك،يستطيع أن يعزلك تماما عن عالمك، يصور لك الأشياء كما يجب أن تراها، يستخدم منظارا أدق ألف مرة من عينك، يكبر الحب أضعاف أضعاف الحجم الذي تظنه عليه، فترى كم يحوي من تشوهات وعاهات ومناظر قبيحة كنا نخفيها بمساحيق الكلام المنمق الذي يأتي على هيئة شعر..

يحدث أن يشتهر روائي من خلال عمل واحد يتيم، وتكون صرخة واحدة يسكت قلمه بعدها، لكن المدهش الذي تتابع له عدة روايات في عقد أو يزيد بقليل وكلها بذات الدهشة والقوة، والمدهش أن لديه قاموسا خاصا منفردا يسعفه ليكتب ويكتب حتى يغلبه التشبع...

 من هؤلاء الروائيين محمد حسن علوان.. دهشتك من لغته تجعلك تتساءل هل حمل اخضرار الأرض وتعاريج الجبال وتدفق الغدران..هل حملها في حقيبته ضمن أمتعته وغادر ليزرعها في مكان آخر؟ أم أن حبله السري دس بين إحدى الثغور في واجهة أحد الحصون؟ لذلك بقي قوي اللغة صعب المفردة..تتعجب من هذا الروائي وقدرته على خلق حياة حقيقية تعيشها أثناء قراءة إحدى رواياته.