قبل أسابيع وافق مجلس الوزراء على اللائحة التنظيمية للهيئة العامة للثقافة التي جاءت في إحدى عشرة مادة، وتضمنت المادة الأولى تمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المادي والإداري، وترتبط تنظيميا برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتهدف في مادتها الثانية على تحفيز قطاع الثقافة في المملكة وتطويره بجميع عناصره ومقوماته وإمكاناته، والمساهمة في رعاية المواهب الثقافية وتعزيز التنوع الثقافي والتلاحم الاجتماعي، إضافة إلى تشكيل مجلس إدارة ورئيس وعدد من المهتمين وبعض التنظيمات الإدارية والمالية الأخرى في المواد الأخرى من اللائحة، بحيث تقف الهيئة إداريا وماليا على أرضية ثابتة.
ومن الواضح في إنشاء هيئة عامة للثقافة واللائحة التنظيمية التي صدرت بأن هناك ملامح لتعزيز الجانب الثقافي وإعطائه أهمية أكبر بعد ما كان الإعلام يزاحم الثقافة مزاحمة لصيقة صعب الانفصال بينهما طويلاً، وتداخلهما هذا يجعل من الصعوبة بمكان تعزيز أحد الجوانب على حساب الآخر، مما أضعف الجانبين معاً، الأمر الذي جعل عددا من المثقفين منذ سنوات يطالبون بانفصال الثقافة عن الإعلام وجعلهما قطاعين مختلفين حتى لو كانت هناك جوانب يتداخل بينها المجالان، لكن هذا التداخل يشبه تداخل السياحة مع الإعلام مع الثقافة مع التربية مع الترفيه، إذ يمكن أن يرفد كل جانب من هذه الجوانبِ، الجوانبَ الأخرى.
كان من المهم منذ فترة طويلة أن تستقل الثقافة بكيان خاص لها وميزانية خاصة وإدارة تنظيمية خاصة، ولعل الهيئة العامة للثقافة تقوم بهذه المهمة. صحيح أنها ما زالت تعود في بعض جوانبها إلى وزارة الثقافة والإعلام، وليس من الواضح ما هو مجال اشتغال القطاعين فهل هو انفصال تام بحيث تبقى الوزارة، وزارة إعلامية من غير وكالة الثقافة أم أنها تبقى على ما هي عليه؟! وهذا يعزز التساؤل الذي يُطرح في مجال اشتغالهما معها وكيف سيسيران وما هي مهمة هيئة الثقافة التي عجزت الوزارة عن تحقيقها، وماهية استقلالية الهيئة بالعمل الثقافي. كل هذه الأمور ليست واضحة حتى بعد صدور اللائحة.
يبدو أنه ليس هناك حتى الآن نية واضحة في تجاهل الجانب الثقافي من وزارة الثقافة والإعلام، لكن إنشاء هيئة للثقافة وصدور اللائحة يجعل من وكالة الثقافة في الوزارة تابعة نظاماً للوزارة وتابعة في عملها الثقافي لما تقرره الهيئة، وهذا أمر مربك كثيراً للقائمين على العمل الثقافي سواء داخل الوزارة، أو الأندية الأدبية، أو جمعيات الثقافة والفنون وغيرها، خاصة مع وجود مكاتب لهيئة الثقافة في غالب مدن السعودية، كما جاء في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة في اللائحة، وهنا سنجد أربع مؤسسات ثقافية مستقلة في كل مدينة هي: الأندية الأدبية، جمعيات الثقافة والفنون، فروع وزارة الثقافة والإعلام، ومكاتب الهيئة العامة للثقافة.
في تصوري بعد قراءة اللائحة التنظيمية للهيئة العامة للثقافة أنها ستكون أشبه بخارطة طريق تحدد مسارات العمل الثقافي في السعودية وربما هي تمهيد لاستقلال الثقافة عن الإعلام وانفصالها عنها رغم أنه لا ملامح واضحة تقود إلى هذه الفكرة إلا إذا كان إنشاء هيئة للثقافة هو التمهيد للشروع في عملية فصل التوأم السيامي بين الثقافة والعام تحت وزارة واحدة وتوحيد المؤسسات الثقافية تحت إدارة ثقافية واحدة وربما قاد كل ذلك إلى إنشاء مراكز ثقافية، وهذه ليست إلا توقعات لم تفصح عنها لا اللائحة ولا إقرار إنشاء الهيئة منذ عام تقريبا وتحديدًا منذ الإعلان عن رؤية 2030.
طالب عدد من المثقفين قبل سنوات بانفصال الثقافة عن الإعلام، ويرى البعض منهم أن الشروع في إنشاء هيئة الثقافة مرحلة الانفصال، وفي رأيي أنه حتى الآن لا يوجد أي مؤشرات لهذا الانفصال. يرى البعض منهم ضرورة هذا الانفصال لتستقل الثقافة بعملها وفي رأيي أيضا أن العمل الثقافي سواء كان منفصلا عن الإعلام أم غير منفصل فهو في الأخير مازال تحت إطار المأسسة الحكومية، وهذا يجعل من مسألة استقلاليتها فيه نظر إلا إذا كان في هيئة الثقافة ما يعزز هذه الاستقلالية أكثر. لا أعرف، وليس واضحاً في أي من بنود اللائحة وعلى أي حال سواء كانت هناك حالة انفصال ثقافي عن الإعلام فإن المسألة تعود إلى ما يمكن أن يتحقق من هذا الانفصال من تعزيز حرية الثقافة واتساع مجالاتها بحيث تدخل في كافة المجالات ولا تقتصر في العمل المؤسساتي الخاص خلف جدران مصمتة كما هو عليه الحال الآن.
ما ترسمه اللائحة التنظيمية هو خارطة طريق لعمل الثقافة لا علاقة له في تصوري في مسألة انفصال الثقافة، والدليل هو إعادة العمل إلى الوزارة من جديد وعدم تجاهلها ولا أدري إلى ما الذي سوف تقود إليه الأمور لاحقاً. ما يهم حالياً ليس الانفصال من عدمه بل ما يمكن أن يتسع له العمل الثقافي في غالب المؤسسات الثقافية، وتمكين عملها في المجتمع وتسهيل كافة السبل لتغلغلها الثقافي في طيات المؤسسات الأخرى لتعزيزها وتمكينها وتخفيف الصدام بين المجتمع وبين العاملين في تلك المؤسسات، خاصة فيما يخص مجالات الفنون بوصفها رافداً من روافد العمل الثقافي وأحد أسسه التي ينبني عليها.