بصراحة شديدة؛ لأكثر من ثلاث ساعات وأنا أتأمل بياض هذه الصفحة التي أنوي اقتحامها بفكرة مقال أكتبه هنا اليوم، فالوقت أزف والمقال لم يرسل بعد؛ ورأسي بدأ يؤلمني من كثرة الأفكار "الشاطحة"، فمن كتاب سيبويه الذي أقفل لنا أبواب اللغة والتفكير إلى الإعجاز في القرآن بين الشك واليقين، إلى علم اجتماع ابن خلدون وآرائه الصائبة في وحشية العرب، إلى المعلم سقراط وإيمانه العجيب بالله، حتى وصلت إلى ضفاف العشق وجريمة مجنون ليلى في تشويه معاني الحب في حياتنا، وهكذا، بين سؤال وفكرة؛ تتحول في دقيقة إلى صراعات متخاصمة بين الأفكار؛ وكل منها تريدني أن أفرج عنها لتنال مني أظافرها على هذه الورقة!

وبصدق، تجولت بين شوارع الصحف الورقية والعنكبوتية، ربما أهرب من هذه الأفكار الشاطحة في رأسي، فما وجدتها إلا وقد سببت لي عسر هضم فكري، فالموضوعات والمشكلات يوميا "هي.. هي"، قلتُ: ربما أجد "بندول" في بعض مقالات الزملاء الكتاب وأتسول فاكهة من على مائدة أحدهم، وجدت أغلبهم يعانون من عسر هضم "كتابي" ليس انتقاصا أبدا؛ بل لأنهم سبقوني لما أنا فيه الآن، وكأني أشعر بحاجتهم إلى علب "بندول" وليس حبة بندول! ولفت انتباهي أن معظمهم أشهروا سيفهم ضد إعلامي كويتي وصف السعوديين بـ"بقايا حجاج" ولست أدافع عنه، فهو لا يهمني ولم أعرفه قبل هذه العاصفة، إذ ثارت ثائرة العنتريين سبا وشتما وزادوا على العنصرية عنصرية في المواقع العنكبوتية، وبدلا من تعزيز المعاني الإيجابية في "بقايا حجاج"، راحوا ينفون التهمة "التعبدية الشريفة" ونطقوا بما وصمتهم به "الازدواجية الفكرية" في لحظة غضب من شخص كل ما فعله أنه أخذ بضاعتنا وردها إلينا! فـ"بقايا حجاج" و "طرش بحر" و"طرش صخر" و"سعودي أصلي" و"خضيري وقبيلي" وغيرها من العبارات البغيضة، بدت في هذه الفورة، للأسف وكأنها للاستخدام الداخلي، وتُمنع منعا باتا من الاستخدام الخارجي!! قلتُ لنفسي: سبحان الله؛ وله في خلقه شؤون، الآن غضب هؤلاء لأنها جاءتهم كـ " البرشوت" من الخارج؛ بينما لعقود وهم يصفون بعضهم بعضا ثم تأدبوا وحولوا الكلام إلى مجرد نظرات تُحدث النفس بالنوايا العنصرية، رغم أن بقايا حجاج ينبغي أن تكون ميزة لا وصمة! فمن بقي من الحجاج للمجاورة كان أولهم هو نبي الله إسماعيل بن سيدنا إبراهيم وأمه هاجر عليهما السلام، لتأتي قبيلة جرهم العربية بعدهما، وتجاور، وهكذا تباعا منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا! فهذا المكان المقدس قدر له الله تعالى أن يأتيه الحجاج من كل فج سحيق ليجاوروا البيت ويسكنوا واديا غير ذي زرع! إذن ما العيب أو النقيصة في ذلك؟! إنه قدر المكان إلى أن يرث الله الأرض، لكن ماذا أقول سوى حسبنا الله على "العنترية العربية" التي تمشي في عروقنا وتختبئ تحت ثيابنا البيضاء.