من الصعب تصديق التصريحات الروسية عن محاربة الإرهاب، حيث إن لدى روسيا حربا ناعمة تستعملها كلما أرادت تمرير عدد من سياساتها، فيما كانت ردود أفعالها على تفجيرات سانت بطرسبرج مشوشة نوعا ما.
صرح كل من المدعي العام الروسي، ومن بعده رئيس الوزراء، بأنّ العمل إرهابي، لكن بوتين أشار لاحقاً إلى كون الدوافع ليست معروفة بعد. غير أنّه عاد وأكد في بيان عن اتفاقه مع ترمب على أن الإرهاب هو شر يجب أن تتم محاربته بطريقة مشتركة.
ومع توقع زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى موسكو في الأسابيع المقبلة، ليست مفاجئة بالتأكيد محاولة الإعلام الرسمي التركيز على ضرورة التعاون بين الدولتين لمحاربة الإرهاب.
مجلس الدوما اقترح منع المظاهرات السياسية لبعض الوقت بسبب الهجوم. ثمّ جاءت إشاعات تنتشر بين الروس وحتى لدى الغربيين بأنّ الهجوم كان مدبّراً من الداخل، وأن الكرملين وجد صعوبة في وقفها بعدما كشفت تحقيقات صحفية سابقة، بأدلة ملموسة أنّ تفجير المباني الروسية سنة 1999 كان وراءه جهاز الأمن الفيديرالي الروسي «إف إس بي» لكسب دعم شعبي لشن حرب الشيشان.
هذه التوقعات تشتت التركيز على حقيقة المواقف الحالية للكرملين تجاه المنظمات والهجمات الإرهابية، حيث إنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر أراد الكرملين استغلال الرغبة المشتركة مع أميركا لمحاربة الإرهاب كي يعيد العلاقات إلى طبيعتها مع واشنطن، وكان هذا استجداءً لإدارة جورج بوش الابن، وفخاً لإدارة باراك أوباما، والآن خط الجهد المتبع مع إدارة ترمب المطلوب منها قبول فكرة أنّ الإرهاب هو التهديد الأول لأميركا بدلاً من روسيا.
وفي الشرق الأوسط، توسع روسيا حضورها العسكري والدبلوماسي داعية إلى الحفاظ على الاستقرار الذي يعني الحفاظ على الأنظمة المستبدة كوسيلة لمكافحة الإرهاب.
إنّ تصعيد موسكو دعمها للأسد غذّى أزمة زعزعت استقرار المنطقة. كذلك أدّى الأمر إلى شراكة موسكو مع العديد من المنظمات الإرهابية. فالهدف الأساسي للكرملين هو الحفاظ على الأسد، ولذلك استعملت روسيا حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني في حربهم المفترضة ضد داعش، مع عمل المجموعتين كقوات شبه عسكرية للعمليات البرية للسيطرة على الأراضي لقيادة الميليشيات المحلية.
كما أنه إلى جانب المساعدات الموثقة التي قدمها الأسد وروسيا إلى داعش، بما فيها شراء النفط من التنظيم الإرهابي، والاتهامات بتقاسم المعلومات الاستخبارية والتسليح طارئ، فإنّ الـ«إف إس بي» الروسي ساعد في تجنيد مقاتلين لداعش، وسهّل تحرك المتطرفين إلى سورية، وعلى الرغم من أن البعض برّر ذلك بكونه مبادرة فردية لتنظيف القوقاز الشمالي قبل الألعاب الأولمبية في سوشي، إلا أن هذا التجنيد كان يحصل أيضاً عبر قنوات روسية إلى أوروبا أيضاً.
توجد صعوبة لتجاهل أن المجموعة الأولى من المتطرفين الناطقين باللغة الروسية ظهرت في سورية عند الوقت الصحيح بالضبط لتحويل الحرب بعيداً عن الأسد باتجاه العراق، حيث قامت تلك العناصر بالتصرف سريعاً بذكاء، وبالاصطفاف مع أبي بكر البغدادي ومجموعة من القيادات الأخرى في التنظيم، من بينهم العديد ممن تلقوا تدريبات على يد الكاي جي بي. وبالتالي فإن وصول داعش كان جزءاً أساسياً من مقولة روسيا حول عدم وجود معارضة معتدلة كي تتدخل في نهاية المطاف لمصلحة الأسد.
كما توجد أدلة على أنّ روسيا كانت تعمل مع طالبان في أفغانستان أيضاً، فالروس يعتقدون أن تعزيز قوة هذا التنظيم سيضيق الخناق على داعش، في الوقت الذي تستمر القوات الأميركية في محاربة طالبان، والقاعدة وداعش أيضا.
ويجب على إدارة ترمب ألّا تجلس إلى طاولة المفاوضات مع بوتين قبل رؤية جميع الوسائل والتكتيكات التي يريد الكرملين استخدامها مع الأميركيين وكيف يريد ذلك، بطرق لا تخطر غالباً على البال، حيث إن بوتين يعلم كيف يستعمل أساليب غير تقليدية للهيمنة على المفاوضات.
كاتبة في مجلة فورين بوليسي الأميركية