كتساقط النجوم على اليابسة الموحشة، وانحسار الأشجار من غابات الأرض المحمومة،انطفأت مصابيح أغلب المجلات الثقافية في الوطن العربي، ودخلت دهاليز العتمة الكالحة، وسلال المحذوفات البالية. ذلك أمر يثير الدهشة والحيرة والتساؤلات. لقد كانت تلك المجلات عاملا مهما للإشباع المعرفي والمثاقفة العلمية والأدبية، واتساع هامش الوعي والتواصل بين أقطار الوطن العربي، والإسهام في التكوين الوظيفي للمضامين الفكرية المعززة للوحدة والمقاربات الوجدانية، والتعاشر العميق، والأمنيات والتطلعات المشتركة، والهاجس الجمعي الساعي إلى بلورة حقول معرفية متعالية، ومحاضن ومنطلقات تستفز العقل وتشحذ الروح، وتؤسس لمدركات وتحولات مشهدية، تفجر الطاقات الإبداعية والجمالية، وتفصح عن ثراء ومدارات مصائرية شاخصة، وسيادة معمار فكري ومخزون حيوي، وسجال ذهني محرض، يستوجب حضورها المستديم، والاغتناء بمحصولها الانبعاثي، بدلا من «الصحرنة» المستبدة وتسريح العقلنة المتوخاة، وهدم المفعول الثقافي والاستنارة المأمولة، عاش جيل الأربعينيات وقرأ مجلات «الرسالة، الثقافة، الهلال،الكاتب، البلاغ، روز اليوسف، المرأة الجديدة، مجلة المجلة، الطليعة، الفكر المعاصر، فنون، المجلة الصغيرة، مجلة «جاليري»، وغيرها من المجلات. يقول الروائي «سعيد الكفراوي» في صحيفة «الرياض»: «تعيش المجلات الثقافية العربية أزمة وجودية، تتهددها بالتوقف، وثمة غياب عن المسؤولين بأهمية تلك المجلات وتأثيرها على المتلقي وساحة القراءة، أعترف بتأثير الوسائط الحديثة على إصدار تلك المجلات، ولكن تلك المجلات هي التي عرفنا عبر صفحاتها، ما الذي قدمته لتطوير معارفنا، وفهمنا لمعنى الثقافة، بل وساهمت في تطوير أسلوب عيشنا واختياراتنا المختلفة». ولكن الأمر لم يتوقف عند مجلات القاهرة التي ينعاها الكفراوي، فقد لحقت بها «بيروت» ومجلاتها مثل «الآداب، الأديب،الطريق، شعر»، وغيرها، وها نحن نودع مجلة «دبي الثقافية» بما كانت تمثله من منعطف جوهراني مبهج، وانحياز لروح العصر وحتميته المعرفية، وقبلها مجلة «كلمات»التي كان يصدرها الشاعر «قاسم حداد» والتي كانت ساحة للتجارب الجديدة، وقبلهما مجلة «النص الجديد» في المملكة العربية السعودية، التي اصطدمت بكثير من العوائق المالية والإدارية، فغابت منذ زمن ليس بالقصير، بعد أن تبنت خطابا متجاوزا، ونزوعا نحو رؤية مغايرة، وطرح إبداعي منفتح على النص الشعري الحديث.