في لقاء عام، ضم نخبة من النساء السعوديات، تحدثت ثريا عبيد عن موقف حاسم في حياتها، وهي كما تعرفون ليست مجرد عضو مجلس شورى سابق، وأول سعودية وعربية تتولى الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، بل والأهم بالنسبة لي إحدى السيدات الرائدات في مجال تنمية المرأة العربية وتعليمها، عبر عملها في الأمم المتحدة.

تحكي ثريا عبيد، أنها عندما تقرر ابتعاثها، وافق والدها كرجل سعودي جميل يحب بناته ويتطلع إلى الأفضل لهن.

ولكن، في يوم ما، وبينما يتناولون الغداء بعد عودته من صلاة الظهر، دار حديث قصير حول سفرها هي وأخوها، فرد الأب وهو يتطلع إلى طعامه: أخوك سيذهب، لكن أنت يا ثريا لا.

تقول الدكتورة ثريا، شعرت بأن اللقمة توقفت في حلقي، ولم أعد أدري ماذا أفعل، ليكمل: قابلت فلانا بعد الصلاة، ونصحني بعدم إرسالك إلى أميركا، لخطورة هذا على فتاة.

قامت ثريا وهربت إلى غرفتها، وبقيت دون طعام، حتى رضخ والدها وتجاهل نصائح فلان، ليمنح الله لنا شخصية رائعة مثل ثريا تمتدح نساء السعودية، والسعودية عندما تذكر تجربتها.

هذا الموقف، كما تؤكده كثير من الدراسات، أن الأب السعودي عامل مهم لحصول المرأة على حقوقها وتميزها بالتالي.

في بقعة أخرى من العالم، ربما في الفترة نفسها، كانت هناك فتاة تحلم بصنع ذاتها والتميز، لكنها كانت للتو، وقبل بلوغها الخامسة عشرة، فقدت والدها، وبعدها بأشهر فقدت والدتها، وهي في الأصل بلا أشقاء، لكن في داخلها كانت قبيلة من الآمال ومن الشجاعة التي تصنع من إنسان وحيد ملئ بالآلام كائنا قادرا على أن يصنع الفرق.

تعلمت الفتاة الوحيدة ودخلت أعرق جامعة في العالم «جامعة أكسفورد»، وأظن أن ذلك تحقق، لأن أمراة ملهمة أخرى أقرت مشروعا يدعم الشباب في التعليم الجامعي، وهي «مارجريت تاتشر» رئيسة وزراء بريطانيا، عندما تخرجت «تيريزا» كانت تعرف أنها قائدة، لكن هل توقعت أن تكون صاحبة أطول فترة في الوزراء البريطانيين في وزارة الداخلية ربما، لكنها ولا شك آمنت أنها قادرة على طرد المتشدد «أبوقتادة»، وحماية الشباب البريطاني من أفكاره، بعد أن فشل كثير من الوزراء في ذلك.

تيريزا التي تقترب من الستين، ملهمة أيضا برشاقتها وجمالها ورقتها، كما أن حديثها ملهم دائما، فلا تنسى المسلمات وقوفها في البرلمان البريطاني وعبارتها العظيمة التي عنت بها أنه لن يحدد أحد للمرأة البريطانية ماذا تلبس، فإذا أرادت الحجاب فهذا حقها.

تحل هذه الأيام تريزا ضيفة علينا، نتشرف بحضورها ونفرح به، لكنها تركت جملة قبل توجهها إلى السعودية ترددت في الإعلام البريطاني.

قالت فيها: إنها ستكون ملهمة للسعوديات المضطهدات، ولقد استوقفني ذلك حقيقة.

حسنا، في كل مكان تعاني النساء بدرجة أو بأخرى من الاضطهاد، حتى في بريطانيا مع اختلاف تعريفه بيننا جميعا وما يشمله، وبعيدا عن مبررها، خاصة أن لدينا رقما من الناجحات والقياديات اللاتي ربما تلهمهن تيريزا.

على كل حال، ربما لا تعرف تيريزا ذلك، لكن عبارتها هذه لن تساعد المرأة في السعودية، سواء في مستوى الفرص أو الحقوق، لسبب واضح هناك ربط بين التغريب وبين الحقوق، وهو ما يجعل التحصل عليها صعبا أو بطيئا، إذا تدخل في عرضها شخص من المجتمع الغربي، سواء كان سياسيا أو كاتبا أو صحفيا، حتى لو أن غالب هذه الحقوق لا تتعارض مع الإسلام مثل قيادة السيارة. 

أيضا، ربما لاحظت السيدة تيريزا أن هناك فعلا تقدما في منح الحقوق للمرأة السعودية، وأتوقع أن تعود من زيارتها بصورة أوضح لوضع السعوديات اللاتي تقترب نسبة الحاصلات على الدراسات العليا، من النسبة التي حصلت عليها البريطانيات، إذ نبلغ 55% بينما البريطانيات 61%، وكل هؤلاء النساء سيعملن مع قيادتهن على تحسين الفرص لهن وللأجيال القادمة، وسينتظرن من تيريزا ماي الأمنيات الجيدة فقط.