ابتلي كثير من الناس، بالتسرع والحكم على الآخرين، فأحكامنا على الناس في معظمها لا تعتمد على حقائق واقعية، بل اعتمادها على مؤشرات ودلائل سطحية، فقد يحكم البعض على شخص من خلال صورته الفوتوجرافية، أو من خلال رأي أطراف أخرى فيه.

وفي الواقع، ليس لدينا معطيات كافية كي نحكم على شخص قد نراه لأول مرة، ولكن نستطيع الحكم عليه بعد التعرف عليه أو التعامل معه ومخالطته أو العيش معه، وكما في السنة المحمدية فإن السفر معيار مهم في الحكم على الأشخاص، والأولى في الحكم أن يكون على السلوك والأعمال، وليس على المظهر أو الهيئة، فالسفر والاحتكاك والتعامل والبيع والشراء والجوار وحضور المناسبات، كلها معطيات تجلو غبار المعادن، فتظهر السلوكيات والتصرفات التي تُدّعم تلك المعطيات للحكم على إنسان خلقه الله كما خلقنا، وصوره كما صورنا.

صحيح أن هناك في مظهرنا ما نستطيع التحكم به وتطويعه كما نرغب أن يراه الآخرون، كاللبس والحلاقة أو إسدال الإزار أو إعفاء اللحية أو حلاقتها، وإطالة الشعر، وهناك أمور أخرى في المظهر ليس لنا فيها تحكم، بل تخضع لخلق الرحمن، كالوسامة أو قبح المنظر، أو الذكاء والنباهة أو عدم سرعة الفهم، أو الطول والقصر، ولكن كلها قد تكون معطيات غير دقيقة في الحكم على أي إنسان نراه لأول وهلة، إذًا لا نستطيع الحكم عليه إلا من خلال ما يقوم به من تصرفات وأعمال، وما يظهر بشكل جلي على أخلاقه وأمانته وانفعالاته، ومحافظته على عباداته، وما يقوم به من إصلاح بين الناس، أو ما يقوم به من تحريش وتفريق، أو ما يتجلى في سلوكه من صيانة للعهود والمواثيق أو نقضها.

كما أن هناك معيارا خفيا لا يعلمه إلا الله، ولا يحكم رب العزة والجلال على العبد إلا من خلاله، ومحله القلب وهي النية، فهناك قلوب طيبة صادقة صافية، وهناك قلوب مريضة حسودة حقودة غشاشة، حمانا الله جميعا منها ومن التعامل معها أو القرب منهم، فمرد حكم القلوب والنيات إلى الله تعالى، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». (رواه مسلم)