لم يكن لحملة «كوني حرة» التي قامت بها إحدى القنوات الفضائية أن تكون حملة نزيهة كي تلقى القبول أو التفاعل من المجتمع السعودي، لأنها بكل بساطة لم تكن لتتسم مع ما تحظى به المرأة السعودية في مجتمعها المتدين من مكانة وتقدير واحترام، وفي بلد يحتضن أطهر البقاع وأشرفها «مكة المكرمة والمدينة المنورة»، وصلت فيه المرأة إلى مواقع وظيفية، وتقلدت فيه مناصب عملية لم تصل إليها بعض النساء في «دول» تدعّي احترام حقوق المرأة، وتدعو إلى احترام حقوقها وفيها قد حولتها إلى سلعة رخيصة «تمتهن فيها آدميتها وإنسانيتها، وأسهمت في قتلها في بلدان عربية إنسانيا، حينما رمتها بحمم صواريخها، ولهذا فقد صورت حملة القناة المرأة لدينا وكأنها عصفور مسجون، وعليها أن تطير لا أن تسجن في قفص!».
كما هو مضمون واحدة من تغريدات، وُضعت تحت عشرات الصور التي رافقتها تغريدات لمنسوبي القناة وبعض مذيعيها «غير السعوديين» الذين قد لا يعون ما تحظى به المرأة السعودية، أو ما وصلت إليه بما يتسم به مجتمعنا من احترام لقيمه الدينية والمجتمعية، واحترام للمرأة، أمًّا كانت أو زوجة أو أختا أو ابنة، كقول أحد مذيعيها «فلا ترضي بهذا القمع والاضطهاد الاجتماعي، تمردي، تحرري، ثوري، حياتك لك وحدك»، لذا لم تكن تغريدات الحملة إلا محرّضة للمرأة على التمرد والتحرر كما جاءت بعض تغريدات حملة القناة «حلقي برقتك خارج سجون الظلام والعبودية، وانثري من عطفك وحنانك على تلك الصحارى التي غطت أوطاننا»، «تمردي، كوني حرة بلا حدود»، وفي أخرى «أن الحب يجلب معه الحرية، أما الطاعة فتجلب معها العبودية»، وفي أخرى «لا تقولي إنك ضعيفة ولا تستطيعين»، «الحرية لا تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرا أو لا يكون حرا»، وغيرها، وهي عبارات محرّضة في صياغتها، وترمي إلى تجييش مشاعر المرأة في بلدنا، لدفعها إلى الانقلاب على قيمها الدينية والمجتمعية.
وقد جاء اعتراف القناة ليؤكد هذا الرأي في تغريدة نشرتها إحدى قنوات المجموعة التابعة للقناة صاحبة الحملة ذكرت حرفيا كما ورد فيها تغريدات #كوني_حرة مسيئة وانحرفت عن رسالتنا. إلا أن الاعتذار للقناة لم يكن بسبب كشفها لخطأ مسار حملتها، أو لخطأ موظف ما، بل رضخت له نتيجة لمواجهتها رفضا من كافة شرائح المجتمع السعودي بكافة أطيافه، وإدانة لحملتها، وشجب لمضمون تغريدات الحملة، والصور التي صاحبتها، «ولعله اعتذار غير مقبول، وأقبح من الذنب الذي اقترفته بحق المجتمع المحافظ المتدين بطبعه، وقد وضعت ما جرى من خطأ لحملتها على موظف خانته وظيفته المهنية الإعلامية بحسب ما أبدته في بيان الاعتذار، وأنه ابتدع إضافات لم تكن من صلب الحملة، واستغل صلاحياته!». وحقيقة اضطرارها للاعتذار ليس إلا بسبب وقفة المجتمع ورفضه جملة وتفصيلا لحملة القناة التي رآها حملة مشبوهة، وليست إلا دعوة صريحة للمرأة إلى التمرد على ثوابتها وقيمها وتقاليدها، وكأنه وجد فرصة ليجدد العهد على أن يبقى محافظا على قيمه الدينية وتقاليده وعاداته المجتمعية، ويعتز بها كباقي شعوب الأرض، ولن يرضى أن تمس المرأة في بلادنا من تلك القناة أو غيرها، فهي ليست عبدة أو مستعبدة، ولا تعيش الاستبداد والظلامية، وليست سلعة رخيصة، كي تتلقى من القناة دروسا في أن تعتقها، وتلقنها درسا في كيف أن تكون حرة!
حرة من ماذا؟ من حجابها؟ أو أن تثور على أسرتها؟ أو أن تنقلب على قيمها الدينية والمجتمعية؟ أو لتتخلى عن حيائها وتلقي بأنوثتها على قارعة الطريق، لكن لعل الرسالة من المجتمع السعودي وصلت إلى القناة، وإلى من يقف خلفها أو خلف الحملة، وأنه سيبقى شوكة في أعين من يريد للمجتمع السعودي المعتز بدينه وتقاليده سوءا.