إن قراءة سريعة في تاريخ الصراعات الحديثة في العالم تُنبئ بأن الخطة الأميركية المقترحة لإقامة «مناطق استقرار مؤقتة» في سورية لن تفلح في إنقاذ حياة المدنيين، وإنه مهما اختلفت المصطلحات التي تطلق في هذا الاتجاه فإنها تبقى من قبيل الأساطير أو الخرافات.
لقد جاء الكشف عن الخطة الأميركية في تصريح لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون، أكد فيه أن الولايات المتحدة ستقيم مناطق استقرار مؤقتة في سورية تنفيذا لوعد قطعه الرئيس دونالد ترمب قبل ذلك بشهرين، وهو تعهد اعتبره البعض طريقة مريحة لإبقاء اللاجئين بعيدا عن الولايات المتحدة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مصطلح «المناطق الآمنة»، أو «المناطق المحمية»، أو «الممرات الإنسانية»، أو «الملاذات الآمنة» أو أي من التعابير الملطّفة الأخرى التي يقصد منها حماية المدنيين أثناء الحروب.
تذكر هذه المحميات بما حدث في سربرينيتشا شرقي البوسنة والهرسك التي كانت واحدة من ست مناطق آمنة أنشئت عقب المجزرة التي أودت بحياة الآلاف من المسلمين صيف 1995. كما سبق أن استخدم ذات المصطلح في العراق في عام 1991 ورواندا في 1994 وفي دول أخرى، لكنّ أحدا منها لم يصادف نجاحا كما يقول الخبراء، وقد بدأت إدارة ترمب تروج بشدة لفكرة إقامة مناطق آمنة، وهذه المرة في سورية.
وليس من السهل تطبيق مثل هذه الفكرة، ذلك أن إقامة منطقة آمنة تتطلب توفير خدمات أساسية مثل المياه والغذاء والصرف الصحي والرعاية الصحية التي طالها الدمار في الحرب الطاحنة. ومما يجعل إنفاذ مثل هذه المناطق أمرا عسيرا أن سورية بلد تعطلت فيه قواعد الحرب كما يبدو للمراقب، فقد تعرضت سيارات الصليب الأحمر والمستشفيات إلى جانب الصحفيين للاستهداف، ومن العسير والحالة هذه تخيل أحدهم يعمل لإقامة منطقة «محظورة» من هذا النوع للنازحين.
وفي حال رفضت الحكومة السورية الترخيص لإقامة مثل هذه المناطق، فسيكون لزاما عندئذ استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح بذلك، مما يعني ضرورة موافقة روسيا والصين عليه، وهي فكرة أجهضتها أطراف في الأمم المتحدة من أساسها.
يبدو أن الخبراء متفقون على أن إقامة مناطق آمنة فكرة لن يكتب لها النجاح، ذلك لأنها تحبس لاجئين لهم الحق في التنقل، أو لأن هؤلاء اللاجئين لن يكونوا قادرين على الحيلولة دون وقوع مزيد من أعمال العنف في منطقة بعينها من بؤر الحرب الساخنة، وأن إقرار السلام هو التصرف المنطقي الوحيد لمد يد العون لأولئك العالقين في ساحات القتال.