الرؤية هي تصور ذهني لوضع المؤسسة أو الدولة المستقبلي، وهذا يعني أن نضع صورة طموحة نتخيل فيها شكل المؤسسة أو الدولة الذي نرغب في الوصول إليه خلال فترة زمنية محددة، على سبيل المثال «لنصبح الرواد في المجال الفلاني في العالم»، ولنحقق هذا التصور فلابد أن يلتزم ويؤمن به كل أفراد المؤسسة أو الدولة، فهو ليس مجرد واجهة إعلامية أو ترويجية، بل إنها تمثل حالة نفسية تصورية يعيشها الإنسان تؤدي إلى التغييرات الكبرى في حياة الأفراد والمؤسسات والدول – تفاءلوا بالخير تجدوه-، وتظهر أهميتها وأثرها في أن وضع رؤية موحدة والعمل عليها سيساعد على توحيد وتكامل الجهود، وإيقاف الهدر، وحسن اختيار للمشاريع وتكامل أعمالها. لا يخفى على المتابع كيف أن الجهود دون رؤية موحدة وأهداف مشتركة تخفق في تحقيق التطلعات والطموحات، بينما في المقابل لو أن كل قطاع وجهة وكل منطقة ومدينة عملت رؤية وتصورا شاملا ومتكاملا لخمس سنوات قادمة على الأقل ثم تم توزيعه على القطاعات المختلفة مع توضيح دور كل قطاع وكل جهة وكل قسم، لانتقلنا نقلة ملفتة في كل جوانب الحياة، وهذا من الوظائف التي تدعمها أي رؤية على مستوى الدول.

ولنفهم كيف أن الرؤية تُوحد الجهود وتُكامل المشاريع وتوزع الأدوار بوضوح بين القطاعات والجهات المختلفة، سنضرب مثالا من الأهداف التي وردت في برنامج التحول الوطني 2020، حيث إن إحدى مبادرات وزارة الحج والعمرة تستهدف الوصول إلى 15 مليون معتمر من الخارج سنويا من 6 ملايين حاليا فقط، هذه المبادرة لن تؤثر على الحرمين الشريفين وما يتبعهما من مرافق أو على شركات العمرة فقط، بل إنها ستتجاوز ذلك إلى جميع القطاعات ذات العلاقة، هذا يعني رفع مستوى البنية التحتية والخدمية والنقل والمطارات والموانئ لمكة والمدينة والمدن التي ينزل ويمر بها المعتمرون لتستقبل هذا العدد سنويا، فتضع وزارة الشؤون البلدية والقروية مشاريعها لبنية تحتية مناسبة عند ذلك التاريخ، وتضع وزارة النقل المشاريع الجديدة أو التطويرية للطرق والقطارات وما يتبعها من موانئ ومطارات، وكذلك تقوم هيئة السياحة برفع عدد الغرف الفندقية بما يتناسب مع استيعاب هذه الأعداد، من خلال زيادة وتنظيم الفنادق والشقق المفروشة، وكذلك الشركات المعنية بالخدمات ستحدد أهدافها ومشاريعها خلال السنوات القادمة، بما يتناسب مع هذه المشاريع وهذه الأعداد من الزائرين والمعتمرين، مثل شركات الكهرباء والغاز والاتصالات والمياه، ولا ننسى ما سيحصل في قطاع التجارة وحركة الأعمال، يعني أنه حتى القطاع الخاص يجب أن يتكيف ليواكب الرؤية فيضخ استثمارات بأحجام مناسبة من خلال مشاريع تجارية وخدمية، وستحصل زيادة كبيرة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة لرواد الأعمال ستنعكس إيجابيا على دخل المواطن ووفرة الفرص الوظيفية.

في الجانب الآخر من فهمنا لأهمية الرؤية لنتخيل أن واحدا أو بعضا من المشاريع المذكورة أعلاه توقف أو تعثر كمشاريع النقل أو أن عدد الغرف الفندقية والشقق لم يصل للعدد المطلوب أو أن جميع المشاريع اكتملت ولكن لم تستطع شبكة الكهرباء أو المياه تحمل هذه الأعداد في ذلك التاريخ لعدم اكتمالها، فماذا سيحصل؟ سيختل تحقيق الهدف ربما بسبب جهة واحدة أو حتى مشروع حيوي واحد.

أما بعض الانطباعات التي أخذها البعض عن الرؤية بسبب الشعور بوجود حالة من التقشف تنتهجها الدولة والتي أثرت على المشاريع والرواتب وارتفاع تكاليف الخدمات بسبب رفع الدعم، فهي من أثر وتداعيات هبوط أسعار النفط عالميا – المصدر الرئيسي للدخل – ولذلك تم إطلاق الرؤية لتنويع مصادر الدخل والتخفيف من اعتمادنا على النفط، وقد يكون هذا التحول مزعجا في بدايته كمن يبدأ في تناول الدواء ثم يتجاوز هذه المرحلة بعد فترة إلى الشفاء والصحة بإذن الله، ولذلك فتكاتف الجهود واستشعار أهمية التغيير سيساعدان على تجاوز هذه المرحلة وسيؤديان بإذن الله إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني ارتفاع دخل المواطن وخلق بيئة أعمال صحية منتجة مع وفرة في الوظائف، هذا الوضع سيكون مؤقتا لفترة وجيزة حتى تبدأ نتائج الرؤية ومبادراتها بالظهور عندها سيتغير المزاج العام، وتبقى جرعات الدواء بمرارتها أهون بكثير من الاستسلام لمرض تقلبات أسعار النفط والاقتصاد القائم عليه وما يتبعهما من آثار.