ربما يكون من المبكر الحديث عن نتائج القمة العربية بالمعنى الدقيق للكلمة، لأننا لا نعرف ما الذي دار في الأروقة الخلفية، وخلال الاجتماعات التحضيرية لهذه القمة التي نجحت شكلا بكل المعايير، إذ إن الحضور الرفيع المستوى يؤكد رغبة القادة العرب في إعطاء العمل العربي المشترك فرصة حقيقية، باستعادة دوره مع منظومته جامعة الدول العربية، وربما يكون جميع المراقبين يتفقون على أن الأعمال العلنية للقمة كانت تسير بشكل جدي جدا وبانتظام تام، هذا إضافة إلى الاجتماعات الثنائية بين القادة العرب، خصوصا بين الملك سلمان والرئيس السيسي، والحضور الدولي الرفيع الأميركي والروسي، و الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تحدث الملوك والرؤساء والأمراء جميعا ودون استثناء، وكان القاسم المشترك بين الجميع هو الحديث عن دقة المرحلة وخطورتها على الدول والمجتمعات، مع تحديد واضح للأولويات ومناطق النزاع، وإن كان قد ذهب البعض في تخصيص أزمة على حساب أخرى، وهذا طبيعي في الاجتماعات والمؤتمرات والقمم، إلا أن جميع القضايا تمت مقاربتها بشكل عام، وكان هناك كثير من التوقعات السلبية والإيجابية من خارج السياق العام، إلا أن كل تلك التوقعات ذهبت أدراج الرياح، وبقيت القمة تعمل بدقة متناهية دون اجتهادات أو خروقات، مما يعكس مدى دقة المرحلة ودقة التحضيرات، وحجم الخلافات حول كثير من الملفات.
لا نستطيع أن نقيم هذه القمة العربية على قاعدة الفشل أو النجاح، لأن العمل العربي المشترك كان في حالة بين الموت والحياة، وربما كان مصير الجامعة العربية معرضا للتوقف عن العمل.
من هنا، فإن عودة الروح إلى العمل العربي المشترك تعدّ إنجازا كبيرا، وأكثر من نجاح، خصوصا عندما أُعلِن عن عقد القمة العربية القادمة في الرياض، أي أن العمل العربي المشترك -ومنذ الآن- هو في عهدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي يعدّ حضوره هذه القمة، حجرَ الزاوية في عودة العمل العربي المشترك إلى الحياة.
الأيام والأشهر القادمة بين قمة عمّان نهاية مارس الجاري، وقمة الرياض في النصف الثاني من مارس القادم في 2018، ستكون تلك المدة حاسمة فيما يخص قضيتين أساسيتين: الأولى، وهي البند الأول من البيان الختامي لقمة البحر الميت، وهي قضية فلسطين والقدس الشريف، على أساس حل الدولتين، مع ما أكده في هذا المجال أيضا الأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خلال الكلمات التي ألقيت في القمة، مع كل ما تضمنه البند المتعلق بالقضية الفلسطينية لجهة المبادرة العربية للسلام، والقرارات الدولية، والمؤتمر الدولي الفرنسي، في هذا المجال. مع التأكيد على مرجعية الأردن في رعاية المسجد الأقصى، ونستطيع أن نقول -وبكل ثقة- أن البند الأول في البيان الختامي والخاص بالقدس الشريف والقضية الفلسطينية كان بندا عميق الصياغة والمندرجات، وشديد النضوج.
أما الأمر الثاني، الذي سيكون محل اهتمام وخاضع أيضا للتطورات، هو عملية محاربة الإرهاب، والتي بدأت تأخذ شكلا نهائيا عسكريا وسياسيا وفكريا، والتي تتلاءم مع الحزم بالتصدي للتدخلات الإيرانية في الداخل العربي، وأعتقد أن المسافة بين قمة عمّان وقمة الرياض ستكون حافلة بالتطورات، إنْ لجهة حل الدولتين والقدس الشريف أو بالنسبة إلى الحرب على الإرهاب، وأعتقد أن القيادة العربية بين الأردن والسعودية ستضع التحضير للقمة القادمة في مسار آمن، مما يجعل من قمة الرياض عام 2018 محطةً تستحق المتابعة يوما بيوم، وربما ساعة بساعة، لأن التطورات ستكون سريعة ومباغتة.