هؤلاء قوم لديهم همّة وجَلد عجيب في البحث عن كل (ما يغثّهم) ويملؤهم ضجراً وإحباطا، وقد يتكبدون وعثاء السفر ليعودوا إلينا بكآبة المنظر، فعندما يذهبون إلى مكان أو فاعلية فإنهم ينشغلون بسلبياته، ويحفظون تفاصيل كآبته، وكأنهم مفتش مجتهد، أو رقيب (إيه ما غيره!)، ففي الأسابيع الماضية – مثلاً- كنّا نحن سكّان مناطق الأطراف نسترق النظر والسمع لأخبار معرض الكتاب العاصمي بعيداً عن الأخبار الصحفية التي تهتم بنقل أشياء لا تعني القارئ ولا الكتاب، لهذا يممنا قوافل فضولنا نحو موارد السوشال ميديا لنعرف ماذا يحصل هناك، لكن حياض مواقع التواصل لم تقدم لقوافلنا سوى حياض (الحلطمة) والتذمر، وما فاجأنا أنهم تركوا موائد الفكر والمعرفة، وعادوا مهزومين يتحدثون عن أشياء يصفونها بالسخيفة، فأحدهم ممتلئ غيظاً وفيضاً وأشياء أخرى، بسبب كثرة مؤلفات الشباب التي بلا قيمة – من وجهة نظره – ولا أدري كيف.

هل كان يتوقع أن يكون العمل الأول لمؤلف شاب بقيمة مقدمة ابن خلدون مثلا؟!

ثم – وهو الأهم – لماذا تشغل نفسك بقراءة هذه الكتب التي تصفها بالرديئة؟ هذا إذا كنت فعلاً قرأتها كي تصدر عليها حكماً، أما إذا كنت لم تقرأها ولم تعجبك فأنت (......) – حذفت الكلمة خوفاً من الرقيب واحتراماً لمنظمة حقوق الحيوان-، (وعلى طاري الحيوان)، تجد المتذمر يُرسل لك مقطعاً لتعذيب شخص لحيوان، كي (يسم بدنك)، ولو سألته: ولمَ ترسله لي؟ لقال: لترى كيف أصبح الناس لا يخافون الله! أما الأقل إنسانية وأدباً فهو من يرسل أو ينشر بوسائل التواصل الاجتماعي أشلاء طفل! بربك هل تعتقد أني سأشكرك على هذه الهدية؟ أم تعتقد أنني سأغير ملابسي وأعلن النفير للجهاد؟

هذه الحالة أو (ظاهرة التذمر) ليست حكراً على فئة معينة، فالمثقف عندما عاد من معرض الكتاب صبّ جام غضب قلمه على الشباب الذين يوقعون كتبهم في منصّات التوقيع (الله لا يشغلنا)، وكنت أود لو كتب عن صديق الكتب الدائم الذي تعرفه الكتب ودور النشر (تركي صالح)، وهو كعادته غارق بين الكتب على كرسيه المتحرك، أو كتب عن مُسن يحاول بمشّقة كبيرة – لدرجة تصبب العرق- أن يقرأ فهرس كتاب، أو حتى عن صخب الأطفال وهم يفلتون من يدي من أماتهم بشيطنة لذيذة، كما تجد حالة التذمر في الطرف الآخر عند من يصف حالة التبرج وقلّة الأدب التي لاحظها على الناس الساعين والمنهمكين بدور النشر، لكنه مصاب بحالة تصفح الناس بدلاً من تصفح الكتب، ليت هؤلاء أخبروني على الأقل كنت سأكلفهم بالبحث عن كتب كنت أريدها، وقتها أضمن أنهم سيرون شيئاً إيجابياً ولو لمرة واحدة في هذه الحياة، والفائدة الأخرى هي أنهم سيكفونني عناء التذمر من تذمرهم، وسأطلب منهم أن يكونوا جميلين لنتأثر بجمالهم، وستكون الحياة أجمل.