خذها بالمختصر: أي إشارة أو إيحاء بالتشكيك في الولاء الوطني الخارجي لأي مواطن أيا كان دينه أو مذهبه يعد عنصرية مقيتة، يأثم عليها صاحبها ويفترض أن يكون خاضعا تحت طائلة المساءلة القانونية. إنه لأمر بالغ الغرابة أن يأتي ما بين فترة وأخرى (لينط) علينا أحدهم متحدثا عن الولاء الشيعي تارة والولاء السني تارة أخرى، وكأننا نتحدث عن سيناريو مستمر لمسلسل تركي أجزاؤه لا تنتهي!
في الواقع أصبح الحديث عن الولاء الوطني للشيعة لـ«إيران» أو السنة لـ«داعش» حديث من لا حديث له، وموضوع من لا موضوع له، وصار بعض الكتاب يتقصدون شتم الشيعة أو السنة، لأنه كما يقال «الرزق يحب الخفية»، بمعنى أن هناك من يقتات على هذه القضية العنصرية، وحلها يعني خسارة تجارتهم الطائفية! لنواجه أنفسنا، وليواجه كل طرف حقيقته، ويحاسب نفسه بدلا من أن يبرر ويحلف أغلظ الأيمان ويسوق الحجج، والمبررات فالموضوع ليس خطيرا فحسب، وليس قبيحا، بل إنه ممل وسمج إلى حد الموت الذي يقود إليه. وبنظرة فاحصة على الطريقة التي تسير بها الأمور، يبدو أن هناك حالة واضحة وقوية من انعدام الثقة بين الطرفين السني والشيعي. وبما أن الموضوع طائفي «شيعة وسنة»، فهو بالضرورة سيجر معه العنصرية العرقية «العرب والعجم»، فهل تعلمون بأن من أهم الرموز الدينية في دعم المذاهب السنية أغلبهم من العجم، مثل البخاري ومسلم والترمذي وأبي حنيفة.. هل تعلم بأن أهم أعلام المذهب الشيعي هم من العرب أمثال الشيخ المفيد والمرتضى والحلي، فأشهر دعاة السنة «عجم» والشيعة «عرب»، ولم نسمع يوما بأن هناك تشكيكا في الولاءات!
خذ مثالا آخر، شعراء العرب الفطاحلة أمثال المتنبي والفرزدق وأبي فراس الحمداني وأبي تمام وأبي العلاء.... كانوا شيعة، في نفس الوقت الذي نجد فيه شعراء العجم من عمر الخيام إلى جلال الدين الرومي.. كانوا سنة. لم نسمع كذلك عن التشكيك في الولاءات، والأمثلة على ذلك كثيرة. أما نحن فكلما استجد حدث، يبدأ حوار اتهامي تشكيكي، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي تجده منخفض التردد في البداية، لترتفع وتيرته، وليتحول إلى حالة أقرب إلى «الولولة» منها إلى حوار مفهوم. أعتقد أن مواجهة انعدام الثقة هذه مهمة جدا في المرحلة الحالية، حتى نستطيع أن نتجاوز تلك الحوارات العقيمة والاتهامات المبطنة والمعلنة، والتوقف عن محاولة التصيد الطائفي لإيقاف الزعيق والنحيب، ونبدأ في استيعاب الكلمات بوضوح، وحتى نخطو خطوة باتجاه الحل، لا بد أن نخطو خطوة باتجاه الثقة، وحتى نصل إلى نقطة الثقة، لا بد أولا وقبل كل شيء تجريم التمييز بجميع أشكاله ضد الأفراد والجماعات، ومنع الانتقاص منهم بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة، والحيلولة دون نشر النعرات القبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية أو تلك القائمة على التصنيفات الفكرية والسياسية، إضافة إلى حماية أماكن أداء الشعائر الدينية ومنع الاعتداء عليها، أو الإساءة إلى المقدسات، أو النيْل من الرموز التاريخية المشكلة للهوية. المشروع دخل الآن في دائرة الدراسة التشريعية في مجلس الشورى، تمهيدا لإبداء الرأي حوله، ونتمنى إقراره سريعا، فهي بداية الثقة بين جميع الأطراف، وبالتالي ستتغير اللغة من التخوين لحسن الظن.