ليس منصفا من يحمّل الرئيس هادي وحكومته مسؤولية عدم حسم المعركة عسكريا حتى اليوم أو عدم تقدم قوات الشرعية في الجبهات القتالية بشكل ملحوظ.

ولمن يريد تحري الإنصاف والموضوعية من المهتمين، خصوصا من خارج اليمن، ندعوهم لإعادة النظر مجددا في معايير بالغة الأهمية والتأثير، وهي المتحكمة في نتائج المشهد، خصوصا فيما يتعلق بطبيعة وتركيبة القوى المتقاتلة في الجبهات على وجه الخصوص. فالمعروف أن كلا من السلطة الانقلابية والسلطة الشرعية في اليمن يقاتل بذراعين، الأول ميليشاوي، والثاني عسكري. إذ تقاتل الشرعية بذراع المقاومة الشعبية، والذراع العسكري المتمثل بالجيش الوطني، وكذلك يقاتل الانقلابيون بذراع الميليشيات الحوثية وذراع عسكري والمتمثل بوحدات عسكرية من قوات الحرس الجمهوري. وبالمقارنة بين ميليشيات الحوثي والمقاومة الشعبية سنجد ما يلي: أن غالبية مقاتلي المقاومة الشعبية لا يمتلكون من التدريب والتأهيل القتالي غير خبراتهم العامة باستخدام السلاح الشخصي، ولم يخوضوا تجارب قتالية قبل هذه الحرب، بينما مقاتلو الميليشيات الحوثية تلقوا تدريبات عسكرية عالية في جبال وأودية محافظة صعدة علي أيدي مدربين من حزب الله اللبناني وخبراء إيرانيين، بهدف إعدادهم لهذه المعارك، ولديهم خبرات قتالية اكتسبوها خلال الحروب الست مع الدولة خلال السنوات العشر الماضية.

وهناك عامل آخر بالغ الأهمية والتأثير على قدرات المقاتلين ومستوى أدائهم العسكري ويتمثل في العقيدة القتالية، فالميليشيات الحوثية يقاتل أفرادها وفق عقيدة مذهبية واحدة متمثلة بعقيدة الشيعة الجارودية، إذ يحاربون بدعوى نصرة آل البيت كما يدعون، كما أن غالبية مقاتلي الحركة الحوثية ينتمون لعصبية مناطقية واحدة تجمعهم، بينما مقاتلو المقاومة الشعبية ينتمون لأحزاب متعددة وجماعات دينية مختلفة غالبا ما تتقاطع أهدافها، مما يؤدي أحيانا إلى نشوب معارك دامية بينهم، مثلما حدث في مدينة عدن بعدما تم تحريرها، ومثلما يحدث حاليا في مدينة تعز، فالمقاومة لا تجمعهم عقيدة قتالية واحدة، وإن كانت أهدافهم واحدة. ورغم كل هذه الفوارق بين الجانبين إلا أن المقاومة حققت انتصارات كبيرة.

ولا ينكر أحد دور التحالف وضرباته الجوية الدائمة التي قطعت جسور الترابط الميليشاوي والعسكري للانقلابيين ودمرت تعزيزاتهم ومعداتهم، واستهدفتهم في كل أرجاء البلاد، ولولاه لما تمكنت المقاومة الشعبية من تحرير ولو محافظة يمنية واحدة.

لا أقول هذا الكلام استخفافا بدور المقاومة وبتضحيات أفرادها، ولكن أقوله بدافع الإقرار الواقعي بعدم توفر أقل قدر من عوامل الندية والتكافؤ بين الجانبين، وبما فرضه التحالف العربي من تغيير في موازين القوى لصالح الشرعية.

أما إذا عدنا للمقارنة بين الجانبين في ذراعيهما العسكريين، فالتفاوت بين الجانبين لا يقبل إمكانية المقارنة، فالجيش الوطني التابع للشرعية ما زال في أطوار بنائه وإعداده الأولي، بينما الانقلابيون يحاربون بجيش كان يمثل وحدات النخبة العسكرية في اليمن سابقا، وتم إعداده خلال عقود من الزمن على حساب حاجيات المجتمع الضرورية التي كانت تنفق على موازنة جيش استخدم في نهاية المطاف لحماية أشخاص.

ومع ذلك لا تخلو المقارنات من وجود انتصار أكبر وأهم، سيكون أثره على المدى البعيد أجدى وأبقى، ويتمثل في الانتصار الذي حققه الرئيس هادي الذي استطاع في أحلك لحظاته الرئاسية أن يؤسس لبناء جيش وطني من كل المناطق اليمنية، ويمثل كل اليمنيين، ويتشرب مشاعر الانتماء لأمته العربية والإسلامية، من خلال اندماجه بمعارك الدفاع عن عروبة اليمن مع إخوانه الخليجيين والعرب، وسيكتب التاريخ أن الرئيس هادي حوّل مقاتلي المقاومة الشعبية إلى جيش وطني نظامي، من خلال قرار دمجهم بالجيش الوطني، بينما سيكتب التاريخ أن المخلوع صالح حوّل الجيش اليمني وهو في أزهى عصره إلى ميليشيات معادية لشعبها ومحيطها العربي والإسلامي، وجعل كبار قيادات الجيش ينقادون لمقاتلين في المليشيات الشعبية، أغلبهم لا يجيد القراءة ولا الكتابة، فيا له من هوان ما بعده هوان.